الاخبار

التّقارب بين “قسد” و”هيئة تحرير الشّام”… هل تجمع المصيبة بينهما؟

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

قبل أربع سنوات، أعلن أبو محمد الجولاني تأييده أي عملية عسكرية تقوم بها القوات التركية ضد “قوات سوريا الديموقراطية” في منطقة شرق الفرات، شمال شرقي سوريا. ووصف الجولاني “حزب العمال الكردستاني” في إشارة إلى “قسد” بـ”عدو الثورة”، متهماً إياها بـ”الاستيلاء على مناطق يقطن فيها عدد كبير من العرب”.

وبعبارات دقيقة وواضحة حاول الجولاني في تصريحاته الصحافية السابقة أن يوازن بين منهجه العقائدي الذي لم تكن تبلورت صورته الجديدة الأكثر اعتدالاً والذي كان يحول بينه وبين القتال إلى جانب جيش علماني كالجيش التركي، ومصالحه الميدانية التي كان يرى أنّ أيّ تراجع لقوات “قسد” سيساعده على تحقيقها من خلال التوغّل في المناطق التي يستهدفها الجيش التركي. وقال الجولاني في حينه: “نرى ضرورة إزالة حزب العمال الكردستاني، لذلك نحن مع توجه أن تُحرَّر هذه المنطقة منه، ولا يمكن أن نكون نحن من يعيق عملاً مثل هذا ضد عدو من أعداء الثورة”.

شبهات
ورغم حالة العداء العسكري بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام”، ظلت الشبهات تحوم حول وجود علاقات اقتصادية تدور في الخفاء بين الجانبين، لا سيما في ما يتعلق بصفقات النفط الذي تستثمره “قسد” في مناطق سيطرتها وتبيعه إلى أطراف مختلفين كان اسم “هيئة تحرير الشام” يتردد كثيراً بينهم.

وفي مطلع عام 2022 نفت شركة “وتد” التي كانت تحتكر تجارة النفط لمصلحة “هيئة تحرير الشام” قبل حلّها العام الماضي، إبرام أي اتفاق مع “قوات سوريا الديموقراطية”، لتوريد النفط من شرق الفرات إلى مناطقها.

وجاء النفي بعد تسريبات عن مصادر مطّلعة من المعارضة السورية، نقلتها وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، وذكرت فيها أن ممثلين عن “قسد” التقوا قبل أيام رئيس شركة “وتد”، وأبرم الطرفان اتفاقاً تُزوّد بموجبه “قسد” مناطق ريفي حلب وإدلب بالمواد النفطية.
بالإضافة إلى ذلك، طالما وجّه مناهضو “هيئة تحرير الشام” إليها، خلال السنوات الماضية، اتهامات مباشرة بالضلوع في تهريب أنواع من الأسلحة إلى “قوات سوريا الديموقراطية”. غير أن مثل هذه الاتهامات لم تخرج عن إطار التراشق الإعلامي، خصوصاً في ظل صمت أنقرة عنها وهي التي لم تجد غضاضة في توتير علاقاتها مع واشنطن نتيجة قيامها بتمويل وتسليح قوات “قسد” التي تعتبرها الخطر الأمني الأول الذي يهدد حدودها الجنوبية.

إعادة تموضع
ولكن بعد أربع سنوات تغيرت الكثير من المعطيات والظروف التي يبدو أنها فرضت على جميع الأفرقاء البحث عن إعادة تموضع في الميدان، والسعي إلى عقد تحالفات جديدة، أو على الأقل تحييد بعض العداوات وتهدئة بعض المعارك من أجل التفرّغ لمواجهة المتغيرات السياسية التي قلبت الملف السوري رأساً على عقب، وأهمها مسارات التقارب والتطبيع بين العرب وسوريا، من جهة، وتركيا وسوريا، من جهة أخرى.

ونتيجة مساعي التقارب بين تركيا وسوريا، كان الطرفان الأكثر تضرراً من هذه المساعي “هيئة تحرير الشام” وقوات “قسد” اللتين وجدتا نفسيهما أمام حالة متشابهة إلى حد التطابق. إذ إن “قسد” اعتبرت في أكثر من بيان أن التقارب التركي – السوري يستهدفها ويشكل خطراً وجودياً عليها وطالبت بوقفه.

أما “هيئة تحرير الشام” فقد صعدت من لهجتها ضد تركيا، وإن لم تذهب بها إلى حد القطيعة والعداء، واعتبرت سياسة الانفتاح التي تمارسها مع الرئيس السوري “انحرافاً خطيراً عن أهداف الثورة”.

وكما شرعت “قسد”، ومن ورائها القوات الأميركية، في العمل الميداني لعرقلة تداعيات التقارب التركي السوري، ولمنعها كذلك من التأثير على السياسة الأميركية في سوريا في المقام الأول والحيلولة دون تعريض مشروع “قسد” في الحكم الذاتي إلى خطر وجودي في المقام الثاني، وضعت “هيئة تحرير الشام” أكثر من خطة بهدف التعامل مع تداعيات هذا الاستحقاق الذي يبدو أنه يقترب أكثر فأكثر، لا سيما مع قرب انعقاد الاجتماع الرباعي بين روسيا وإيران وتركيا وسوريا في موسكو، لبحث خريطة طريق مفصلة تقود إلى تحقيقه.
خطر مشترك
وهكذا أصبح أعداء الأمس أمام خطر واحد. “قسد” و”هيئة تحرير الشام” اللتان كانتا على استعداد للقتال ضد بعضهما بعضاً، أصبحتا مهددتين بما تفرضه سياسة الانفتاح العربي والتركي على دمشق من متغيرات، تجعل منهما مستهدفتين مباشرةً وغير مباشرة، بل هي كفيلة بوضعهما في عين العاصفة.

وكان من اللافت أن وكالة “سبوتنيك” الروسية و”تلفزيون سوريا” المعارض الذي يبث من تركيا، نشرا تقريرين منفصلين عن علاقات جديدة واحتمال نشوء تحالف بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام”.

وفيما ذهب تقرير “سبوتنيك” بعيداً معتبرةً أن المباحثات بين الطرفين تتم بتشجيع أميركي مباشر، اقتصر تقرير “تلفزيون سوريا” على الحديث عن استياء الطرفين من الضغوط التركية على كلٍّ منهما كذريعة قادتهما إلى الالتقاء على طاولة واحدة للحديث عن احتمال إقامة تحالف بينهما.

ولم يصدر نفي عن “قسد” أو “هيئة تحرير الشام”، حتى تاريخه، للمعلومات التي وردت في التقريرين المنفصلين.

وبغضّ النظر عن صحة ما ورد فيهما أو عدم صحته، فإن مما لا جدال فيه أنه أمام المتغيرات السياسية التي تحيط بالملف السوري، من غير الوارد أن تبقى خريطة التحالفات بين الأطراف على ما هي عليه، وأن من المتوقع أن تطرأ تعديلات كثيرة عليها وعلى علاقات الأطراف في ما بينها، لا سيما الأطراف المتضررة من التقارب السوري – التركي، وتأتي العلاقة بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” في صدارة هذه العلاقات التي تحوم حولها التكهنات بطبيعة الحال.

قيود دولية
ولكن يعتقد مراقبون للمشهد السوري أن التطورات التي من المحتمل أن يشهدها مسار العلاقة بين الطرفين ستظل مضبوطةً بقيود وحدود تفرضها آليات محاربة الإرهاب ومواقف الدول من هذا التنظيم أو ذاك. وعليه قد يكون من المنطقي أن يلتقي الطرفان على قاعدة عرقلة التقارب التركي – السوري، وأن ينسقا في ما بينهما ولو بطريقة غير مباشرة من أجل إيجاد وقائع ميدانية وظروف أمنية وعسكرية تعوّق تحقيق نتائجه.

ولكن من المستبعد، وفق مراقبين، أن تتطور العلاقة بينهما إلى إنشاء تحالف عسكري أو اقتصادي أو حتى إداري، ليس بسبب التباعد بين توجهاتهما العقائدية والسياسية فحسب، بل لما يمكن أن يسببه ذلك من تداعيات إقليمية ودولية أيضاً.

فتركيا لن تتردد في اعتبار “هيئة تحرير الشام” من ضمن أعدائها، لأنها تتحالف مع عدوها الأول في المنطقة، وسيكون لذلك تداعيات كبيرة على قبضة الهيئة في منطقة إدلب وحتى على مشروعها التوسعي في ريف حلب.

أما الولايات المتحدة التي لا يخفى ما تبذله من جهود من أجل عرقلة التقارب التركي – السوري، فلن تخاطر في تشجيع التحالف بين “قسد” التي تدعمها و”هيئة تحرير الشام” التي تصنفها على قائمة الإرهاب، لأن ذلك سيثير غضب تركيا من جهة، ويمنح روسيا وسوريا وإيران وتركيا ذريعة وافية للتصعيد العسكري ضد الوجود الأميركي في سوريا.

وقد يذهب بعضهم إلى الاعتقاد أن المفاوضات بين “قسد” و”هيئة تحرير الشام” قد تعكس تفاهماً سرياً بين أنقرة وواشنطن، ولكن عيب هذا الاعتقاد أنه لا يستند إلى أي معطيات واقعية، خصوصاً أن واشنطن عجزت عن تحقيق أي تقدم في مسار أسهل هو مسار التفاوض بين الجناح الكردي الموالي لها (قسد) والجناح الكردي الآخر ممثلاً بالمجلس الوطني الكردي الموالي لأنقرة. كما أن هذا الاقتراح سيعني بشكل أو بآخر انهيار مسار التقارب التركي – السوري الذي تدعمه روسيا وإيران، ودخول المشهد في منعطف جديد لم تظهر أي بوادر تبشر به حتى الآن.
النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى