الاخبار

من غزّة إلى دير الزور.. تصعيد العدوان على سوريا

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

يبدو واضحاً حرص معظم الأنظمة العربية على إعلان إدانتها الصارمة للفعل الذي قامت به المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال، وتأكيدها، من على كلّ المنابر، “حقّ” المحتل في “الدفاع عن نفسه”، وهي الأنظمة ذاتها التي أرغت وأزبدت على مدى أكثر من عشرة أعوام، عدواناً وتمويلاً وتحريضاً ومقاطعة وحصاراً وإدانةً وشجباً، ضد النظام القائم في الجمهورية العربية السورية، وضد حقّه في الدفاع عن سلامة شعبه وأراضيه، على الرغم من كل هذا وذاك، فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي لم ينسَ أو يُهمل أبداً أنْ يعتدي على الأراضي السورية وعلى الجيش العربي السوري، وعلى المنشآت الحيوية في البلاد، وأنْ يصعّد اعتداءاته تلك، منذ السابع منذ هذا الشهر. وفي هذا إعلان واضح من قادة الكيان للعرب والعالم أجمع: إنّ حربنا على سوريا هي جزء أساسيّ ورئيس من حربنا في فلسطين وعلى الشعب الفلسطينيّ.

 

وفيه تأكيد من العدو نفسه، قبل الصديق والحليف، بشأن وحدة ساحات المقاومة في المنطقة وارتباطها الجذري بعضها ببعض، في هذا الصراع من أجل الحرية والتحرّر.

 

ووفقاً لما هو منشور في موقع الميادين نت فمنذ بداية عام 2023، أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي وقواه الجوية على تنفيذ 42 هجوماً مباشراً على الأراضي السورية، منها 31 غارة جويّة، و11 هجوماً بريّاً. واستهدفت تلك الاعتداءات 91 هدفاً على امتداد أراضي الجمهورية العربية السوريّة.

 

ومنذ شهر تمّوز/يوليو 2022، بدأت الاعتداءات الجوية الإسرائيلية التركيز على استهداف المطارات السوريّة بصورة متكرّرة، وخصوصاً المطارين المدنيّين الدّوليّيْن في دمشق وحلب. ومنذ بدء عملية “طوفان الأقصى” المباركة، ثم انطلاق العدوان الإسرائيلي الوحشيّ على مدينة غزّة المحاصرة، استهدف العدوان الإسرائيلي مطار حلب الدولي، وحده، أربع مرّات خلال أقلّ من أسبوعين، في حين تعرّض مطار دمشق الدوليّ للعدوان مرّة واحدة خلال هذه المدّة.

 

وقبل ساعات قليلة فقط على الاعتداء على مطار حلب، يوم الأربعاء 25 تشرين الأول/أكتوبر، كان طيران العدو الإسرائيلي نفّذ قصفاً صاروخيّاً لموقع عسكريّ تدريبيّ للجيش العربي السوريّ في ريف محافظة درعا، جنوبيّ البلاد، أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء بين صفوف المتدرّبين.

 

بالتوازي، بعد ساعات فقط على آخر اعتداءٍ إسرائيليّ على مطار حلب الدولي، أقدمت قوات الاحتلال الأميركيّ على تنفيذ غارات جويّة على نقطةٍ في منطقة “المزارع”، الواقعة جنوبيّ شرقي مدينة الميادين، في ريف محافظة دير الزور. وأعلن البنتاغون استهدافه مستودعات ذخيرة تابعة لما سمّاه “الميليشيات التابعة لإيران”، في حين نفت مصادر سورية مسؤولة وجود أيّ مستودعات في تلك المنطقة التي تتعرض للعدوان الأميركي للمرة الثانية هذا العام. والواقع أنّ قوات الاحتلال الأميركي استهدفت مبانيَ إداريّة تتبع القوات العسكرية الرديفة للجيش العربي السوريّ. وفي هذا الوقت، استقدمت قوات الاحتلال الأميركيّ تعزيزات عسكرية ولوجستية كبيرة إلى قواعدها في الشرق السوريّ، وخصوصاً إلى قاعدتي “حقل العمر” و”حقل كونيكو”. وكشفت المعلومات متعددة المصادر وصول شخصية عسكرية أميركية رفيعة الرتبة إلى قاعدة ” حقل كونيكو” المحتلة، في يوم الاعتداء على منطقة “المزارع”.

 

وتكشف التطوّرات الأخيرة، التي تلت عملية “طوفان الأقصى” وبدء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزّة، نقاطاً مفصليّة غاية في الأهمية على مستوى الصراع مع قوى الاحتلال في فلسطين وسوريا.

 

فمن جهة، يُثبت كيان الاحتلال الإسرائيليّ، من خلال تكثيف اعتداءاته هذه الأيام، حقيقة مفادها أنّ سوريا الدولة هذه، والتي يحكمها النظام العربي الأخير العصيّ على التطبيع أو التطويع أو التحييد، هي الخطر الأكبر على وجوده، وأنّ عمليات تدمير سوريا المتواصلة منذ عام 2011، والتي شارك فيها هذا الكيان بصورة مباشرة من خلال الاعتداءات المتواصلة، أو على نحو مواربٍ عن طريق دعمه، عسكريّاً وسياسيّاً، للفصائل الإرهابية المعادية للدولة السورية، لم تؤثّر في موقعها في هذا الصراع، ولم تُخفّف قدرتها وقدراتها على التأثير الفعلي في عموم ميادينه، وخصوصاً في الداخل الفلسطينيّ، ثم في الجبهات الحدودية مع فلسطين المحتلة في سوريا ولبنان، وأنّ اعتداءاته المتواصلة والمتصاعدة، في أيامه العصيبة هذه، تأتي في هذا السياق، وتستند إلى هذا الوعي الاستراتيجيّ لدى قادة الاحتلال، وخصوصاً أنّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، كانت، ولا تزال، تستهدف بصورة خاصّة القدرات العسكرية السورية، من مراكز بحوث ومعامل ومصانع أسلحة وذخيرة، وقوى الدفاع الجوي السوريّ وقواته وعتاده، ولذلك لمنع سوريا من تطوير قدراتها العسكرية التي تضعها في خدمة مشروع المقاومة الذي تعتمده وتتبنّاه، وترفد بها فصائل وأحزاب المقاومة في فلسطين والإقليم.

 

ومن جهة موازية، تعمد الولايات المتحدة الأميركية، التي تشارك بصورة مباشرة الآن، في قيادة عمليات العدوان على غزّة، وتساهم فيها في العديد والعتاد، إلى ضرب المواقع العسكرية السورية التي تشغلها القوات الرديفة للجيش، والتي باتت تُشكّل إحدى أذرع مقاومة الاحتلال في المنطقة، كما تستقدم التعزيزات العسكرية النوعية إلى البلاد الآن، وتُسهّل، خلال أيام “طوفان الأقصى”، عمليات التنظيمات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري وفصائل المقاومة الحليفة، وذلك لزيادة الضغط على سوريا وإشغالها بالدفاع عن نفسها فقط، ومحاولة تعطيل دورها المحوريّ في الصراع ضد العدو الإسرائيلي إلى جانب الحليف الرئيس، إيران، وحركات المقاومة في فلسطين والمنطقة، والاستماتة في منعها من تطوير الهجمات ضد العدو الإسرائيلي على جبهة الجولان، وخصوصاً بعد تصاعد عمليات إطلاق الصواريخ من الجنوب السوريّ، في اتّجاه الأرض المحتلة.

 

وهنا، تكشف المعلومات الواردة من واشنطن و”تل أبيب” مؤخّراً أنّ واشنطن أمرت قادة كيان الاحتلال، بعدم بدء العملية البريّة على مدينة غزّة، حتى تُكمل الولايات المتحدة عمليات نشر قواتها في المنطقة. و”المنطقة” هنا تعني سوريا أوّلاً، ثمّ العراق والقواعد الأميركية في الخليج. وفي هذا شرحٌ أميركيّ واضح لمصطلح “وحدة الساحات”؛ وحدة ساحات العدوان التي يقابها تماماً، وبصورة متوازية، وحدة ساحات المقاومة.

 

وفي الضفة الأخرى، كشفت التطورات الأخيرة عن مدى تماسك محور المقاومة وترابطه في المنطقة، وعن حقيقة مفادها أنّ سوريا هي “عمود خيمته”، كما وصفها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.

 

وهي، مع أهلنا ومقاومتنا في فلسطين وجنوبي لبنان، أكثر من يتحمّل القسط الأوفر من ضريبة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وضرائب الاحتلال والهيمنة الأميركيين على المنطقة. وهي، منذ ليلة السابع من هذا الشهر، باتت ساحة معركة ضد قوى الاحتلال، سواء في الشرق السوريّ، حيث تصاعدت الهجمات بوتيرة شبه يوميّة على القواعد الأميركية التي تُعَدّ “حماية إسرائيل” علّة وجودها الأولى، وفي هذا مساهمة عملية مباشرة من سوريا وقوى المقاومة في القتال إلى جانب فصائل المقاومة في غزّة ضمن هذه المعركة الفارقة، أو من خلال إطلاق الصواريخ والقذائف من الجنوب السوريّ إلى الأرض المحتلة، والتي تكررت في الأسبوعين الأخيرين، والرعب الذي يسبّبه احتمال الفتح الكامل للجبهة السوريّة في هذا الوقت، للمحتلَّين الإسرائيلي والأميركيّ.

 

ويتابع كاتب المقال بقوله إن منع الاحتلال الأميركيّ من تجميع قواه وقواته، لدعم الحرب الإسرائيلية على أهلنا في فلسطين، هو أحد أهمّ أهداف دمشق وفصائل المقاومة العاملة على الأرض السورية والعراقية، هذه الأيام.

 

كما إنّ إشغال المحتل الأميركيّ في هذا الوقت خصوصا، بالدفاع عن وجوده الاحتلاليّ، انتهاءً بطرده، وتدفيعه أثمان حمايته للكيان الإسرائيليّ ومشاركته في العدوان على غزّة، هي الواجب الذي انبرت إليه الدولة السورية وحلفاؤها في محور المقاومة، من اليمن إلى جنوبيّ لبنان، مروراً بطهران والعراق. ومن هنا، فكما هي رؤية قادة الاحتلال للصراع، فإنّ الرؤية الاستراتيجية المقابلة هنا في دمشق ترى أنّ العدوان الإسرائيلي ـ العالميّ على غزّة ومقاومتها، هو عدوانٌ مباشر على سوريا وعلى جميع قوى المقاومة في المنطقة، وأنّ المعركة الدائرة الآن، هي جزء من حرب التحرير التي تخوضها كل هذه القوى، عبر جميع ما تملك من طاقات وإيمان، والتي لا بديل عن النصر فيها.

 

ودمشق، إذ تزفّ شهداء الجيش العربي السوريّ الذين سقطوا من جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية والأميركيّة على ريف درعا وعلى مطار حلب الدولي، وعلى الشرق السوريّ، خلال معركة “طوفان الأقصى”، تُشيّعهم كـ “شهداء في طريق القدس”، تماماً كما إخوتهم ورفاقهم في غزّة وجنوبي لبنان، وعلى امتداد جبهات القتال وميادين المعارك ضدّ قوى الاحتلال والهيمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى