اخبار ساخنة

ديانة انتشرت في حلب رداً على الحروب والنزوح والموت ..ماذا تعرف عن القلندرية؟

قبل نحو ألف عام، وفي مدينة حلب التي كانت مركزًا للصراعات والحروب، ظهرت ديانة جديدة اتبعها مجموعة من الناس أُطلق عليهم اسم “القلندرية”. نشأت هذه الديانة في فترة عصيبة عاشت فيها المدينة سلسلة من الحروب التي غيرت وجه المنطقة، بدءًا من اجتياح الروم لحلب في القرن العاشر الميلادي، مرورًا بالحملات الصليبية الوحشية في القرن الحادي عشر، وصولًا إلى اجتياح المغول بقيادة هولاكو في عام 1260م، والذي دمر المدينة وأدى إلى قتل وتهجير العديد من سكانها.
ظهور القلندرية: نتيجة للدمار والحروب

أدت هذه الحروب المستمرة والدمار الهائل الذي أصاب المنطقة إلى ظهور هذا التيار الديني الفريد. كان معتنقو القلندرية يرفضون تمامًا التعلق بالممتلكات أو الزينة، ويعيشون حياة غريبة بعيدًا عن الانتماء إلى أي أرض أو وطن. كانت أفكارهم تقوم على رفض القيم الاجتماعية التقليدية، مثل الزواج والأسرة، بسبب الخوف من الموت المستمر والحروب التي كانت تتهدد الجميع.
ملامح حياة القلندريين

اتسمت حياة القلندريين بتصرفات غير تقليدية تنبع من رفضهم للمجتمع السائد. كانوا يرتدون ملابس بسيطة للغاية، غالبًا ما كانت عبارة عن عباءات مصنوعة من خرق قديمة أو أقمشة خشنة، مثل الخيش أو الكتان. كان القلندريون يعمدون إلى حلق شعرهم وحواجبهم وشواربهم تمامًا، كإشارة إلى عدم اكتراثهم بمظهرهم الخارجي ورفضهم التعلق بالزينة والمظاهر. كما امتنعوا عن الزواج وعيش حياة الأسرة، وفضلوا التنقل من مكان إلى آخر، مفضلين النوم في العراء على الطرقات على أن يمتلكوا بيوتًا أو ممتلكات قد يخسرونها في أي لحظة.
“الكشكول” وأسلوب حياتهم المعتمد على التصدق

كان القلندريون يحملون وعاءً خشبيًا يسمى “الكشكول” يتنقلون به، ويقوم الناس بإعطائهم الطعام والمال دون أن يطلبوه، بل كانوا يرفضون التسول. كان “الكشكول” يحتوي على مختلف الهبات التي يحصلون عليها، ما جعلها مصطلحًا يستخدم حتى اليوم للإشارة إلى وعاء مليء بمزيج من الأشياء المتنوعة.
القلندرية والتأثير السياسي والديني

عندما ظهرت الدولة المملوكية في نهاية الحروب الصليبية، بدأ السلطان المملوكي بيبرس في التقرب من أتباع هذه الديانة لأسباب سياسية ودينية. وبمرور الوقت، اندمجت القلندرية ضمن الطرق الصوفية، رغم أن طقوسهم كانت تبتعد عن الطقوس الدينية المعروفة. بنوا لهم زوايا وتكايا في بلاد الشام، وتحديدًا في حلب ودمشق، حيث كانت تكية “بابا بيرم” في حلب واحدة من أبرز الأماكن التي يرتادها القلندريون.
التحولات في القلندرية: من الزهد إلى التفسخ

ومع مرور الزمن، بدأ أتباع القلندرية يفقدون بريقهم وتقلصت شعبيتهم. وبحلول العصر المملوكي، وفي ظل حكم الملك الناصر محمد بن قلاوون، تم منع القلندريين من الاستمرار في طقوسهم الخاصة من خلال حلق لحاهم وشواربهم وحواجبهم. مع هذا، تراجع تأثير القلندرية تدريجيًا، وأصبحوا عرضة للنبذ الاجتماعي، خاصة بعد انتشار عادات غير محمودة مثل التسول، وتعاطي الحشيش، وصناعة التعاويذ والسحر.
إرث القلندرية في الأدب والفلكلور

ظهرت صور للقلندريين في الأدب العربي، حيث ذكر سراج الدين الوراق في القرن الثالث عشر الميلادي مديحًا لهم، مؤكدًا على سلوكهم الفريد والمختلف عن الآخرين. كما وردت إشارات للقلندريين في الأعمال الأدبية مثل “ألف ليلة وليلة”، حيث كانت هناك حكاية تسمى “القرندلية الثلاثة”، والتي تم تغيير اسمها لاحقًا إلى “الصعاليك الثلاثة” في الطبعات التالية من الكتاب.

الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى