الاخبار

كمال خلف: دخلنا مرحلة عض الأصابع!

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

كمال خلف
العدوان على غزة مستمر، لم تتحق اهداف إسرائيل رغم مرور اكثر من أربعين يوما، هذا يعتبر فشل صارخ من الناحية العسكرية، ولكن اذا اضيف له حجم الجرائم والقتل وخاصة الأطفال، واستهداف المستشفيات، والتدمير العشوائي لاحياء بكاملها، ووجوم العالم امام هول الجريمة، فان الفشل الميداني يتحول الى واحد فقط من مستويات الفشل المتعددة الأوجه. ويمكن القول على المستوى الاستراتيجي الكلي في المشهد العام، فان إسرائيل وهي تدمر غزة، كانت بذات الوقت تدمر مستقبل وجودها في المنطقة، وصورتها في العالم، وتعطي دفعا كبيرا للقضية الفلسطينية ومستقبل النضال الفلسطيني من اجل التحرر والاستقلال. تلك اثار سوف تدركها إسرائيل في العمق بعد هذا الغزو، وتلك تحولات ستفرض نفسها كحقائق لاحقا.
تدرك إسرائيل معنى الفشل العسكري، وتعرف ان الايغال في دم الأبرياء لا يتعدى حالة انتقام وتفريغ شحنات حقد، ولا يصرف في المعادلات الميدانية والسياسية، سوى من ناحية استخدامه كوسيلة ضغط على المقاومة الفلسطينية. لذلك هي مازالت تسعى بشكل حثيث لتحقيق اهداف محددة، سبق ان عددها قادة إسرائيل مرارا ومازالوا.
لكن بتقديرنا الحرب دخلت منحى جديد، وكل طرف سواء المقاومة او إسرائيل يحاول فرض تصوراته هو على شكل وايقاع هذه المرحلة. ولذلك يبدو المشهد قد دخل ” لعبة عض الأصابع “. هذا يفسره تطوران مهمان من الناحية الفلسطينية.
الأول اغلاق قائد حماس في غزة ” يحيى السنوار ” هاتفه في وجه الوساطات المتعلقة بالافراج عن الاسرى، وقطع التواصل والتفاوض كليا، بسبب اقتحام إسرائيل بشكل دموي مجمع الشفاء الطبي. هذه رسالة لها أهدافها النفسية على إسرائيل، وتقرأ من ناحية ان المقاومة ليست في وضع اضطراري، يجعلها تهرول وتستعجل ابرام صفقة مع إسرائيل، بعكس التقديرات الإسرائيلية القائمة على ان مستوى التدمير والقتل والضغط العسكري سيجعل قادة حماس يخضعون لاي شروط تفرض عليهم وستحملهم على تقديم تنازلات كبيرة.
والامر الثاني هو إشارة رئيس المكتب السياسي لحماس ” إسماعيل هنية ” في خطاب امس، ان المقاومة في قطاع غزة مستعدة لحرب طويلة مع الجيش الإسرائيلي، قائلا “إن أرادها العدو معركة طويلة فنحن نفسنا أطول”. وقد سرب قادة القسام قبل أيام عبر قادة الحركة في الخارج انهم قادرون على الاستمرار في المقاومة بذات الوتيرة لعام كامل.
لعبة الوقت والتلويح بالحرب الطويلة، استخدمها قادة إسرائيل بالإشارة في اكثر من تصريح انهم مستعدون لمواصلة القتال لأشهر او سنوات. يبقى هذا الكلام محل شك كبير، لان ماهو اقرب للواقع ان إسرائيل غير قادة على المواصلة لفترة أطول، وان كانت راغبة بذلك. وكل يوم يمر والجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة، يعني فقدان الجيش الإسرائيلي القدرة على مواجهة أي مفاجأة محتملة من الجبهة الشمالية، هناك حيث يجلس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ناظرا الى روزنامة الأيام. فالمعركة المصيرية الأكبر والاهم في الشمال اذا ما بدأت، ستدخلها إسرائيل بجيش مهلهل مستنزف، واقتصاد متصدع، ونازحون يضغطون للعودة الى المستوطنات، وحكومة هشة، واسرى بالمئات في غزة. وعواصم تغص بالمتظاهرين المنددين بإسرائيل واجرامها.
واعتقد ان زعماء إسرائيل اكثر من يعرف ان الولايات المتحدة لن تخوض حربا في الشرق الأوسط مرة أخرى، لحسابات دولية معروفة ولا مجال لتعددها هنا، ولذلك بذلت الإدارة جهدا ضاغطا من اجل عدم توسع الحرب. واذا ما توسعت بحدود جبهة الشمال فقط بتوقيت تفرضه الفرصة التاريخية، فان على إسرائيل ان تدرك انها لن تكون سوى ” أوكرانيا أخرى”. المال والسلاح لهم، ولكن ليس اروح الجنود الأمريكيين.
وبكل الأحوال الطرفان في غزة باتوا امام مرحلة جديدة، وجاء الان دور معركة بناء المشهد القادم. بالنسبة لإسرائيل فان تحقيق الأهداف المعلنة والمعروفة او بعضها على الأقل بصورة سريعة قبل ان تغلق النافذة، سيمنح إسرائيل القدرة على الخوض العملي في تحديد مستقبل قطاع غزة، وتحييد حركة حماس عن السلطة، وبناء ترتيبات امنية في شمال غزة، تضمن امن جغرافية الغلاف، وحرية حركة عسكرية ووصول مستقبلي الى مناطق داخل القطاع اذا اقتضت الحاجة الى ذلك. إضافة الى تجنب دفع ثمن كبير جراء عملية الافراج عن الاسرى لدى المقاومة.
اما هدف المقاومة هو تثبيت معادلة الاستنزاف المتواصل للجيش الإسرائيلي، وتطوير عمليات المقاومة ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة، والحفاظ على وتيرة عمليات تجعل إسرائيل تكتشف انها حولت جيشها الى اهداف، دون جدوى عسكرية او قدرة على انتزاع تنازلات سياسية جراء الضغط العسكري. وان تكون غزة ساحة للمقاومة في نموذج يحاكي تجربة المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان قبل العام ٢٠٠٠ تاريخ إقرار إسرائيل بالفشل وعدم الجدوى والانسحاب من جنوب لبنان دون قيد او شرط.
ليس هذا فحسب انما ترى حماس ومعها فصائل المقاومة ان تحقيق ذلك، سيكون لها اثار كبيرة على الوضع السياسي المتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية برمتها، والبيئة السياسية الفلسطينية الداخلية.
واذا كانت إسرائيل تصف هذه الحرب بانها مصيرية، وانها تحدد مستقبل إسرائيل لعقود مقبلة، فان الفلسطينيين بات لديهم ذات الاعتقاد بالنسبة لمصير القضية الفلسطينية، واعتقد ان هناك داخل المقاومة في غزة، من بدأ التفكير الان بتجاوز تصورات النخبة السياسية حول جهود وقف النار وابرام الهدن، الى تحويل هذا النزال الى فرصة لبناء معادلة عسكرية وسياسية، تضيف خطوات إضافية الى الخطوة الكبيرة التي حدثت في السابع من أكتوبر الماضي.
رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى