اقتصاد

تراجع خطير في التجارة الخارجية السورية.. والإصلاح بات ضرورة لا خياراً!

كتب الباحث الاقتصادي إيهاب إسمندر : تشهد التجارة الخارجية في سورية تدهوراً حاداً منذ أكثر من عقد، وسط تحديات مركبة وسياسات تقليدية لم تواكب تحولات الاقتصاد العالمي. فبحسب البيانات، تراجعت قيمة الصادرات السورية بنسبة تقارب 98% بين عامي 2011 و2024، لتنخفض من نحو 12 مليار دولار إلى ما يقارب 1.2 مليار دولار فقط.
ويُعزى هذا الانخفاض الحاد بشكل رئيسي إلى توقف الاستثمار المحلي في قطاع النفط، الذي كان يشكل أكثر من نصف إجمالي الصادرات قبل الحرب.
في المقابل، شهدت الواردات السورية انخفاضاً ملموساً، إذ هبطت من حوالي 18 مليار دولار عام 2011 إلى ما يقارب 4 مليارات دولار في عام 2024.
ورغم أن هذا التراجع قد يبدو إيجابياً من حيث تقليل الطلب على النقد الأجنبي، إلا أنه في الواقع أثر بشكل سلبي على توفر المواد الأساسية في الأسواق، ما فتح المجال للاحتكار وأضعف قدرة الصناعات المحلية على الاستمرار بسبب نقص المواد الأولية وقطع الغيار.
دراسة ميدانية أجريت عام 2023 أظهرت أن 43% من أصحاب المنشآت الصناعية عانوا من صعوبات في الحصول على قطع الغيار لخطوط إنتاجهم، مما تسبب في توقف عدد كبير من المصانع أو تراجع إنتاجها بشكل كبير.
عقلية تقليدية وسياسات مقيدة
تعاملت الحكومات المتعاقبة مع ملف التجارة الخارجية بمنهجيات تقليدية، ركزت على تقييد الاستيراد وتعقيد إجراءات الحصول على القطع الأجنبي، إلى جانب فرض رسوم متعددة ومنصة تمويل أسهمت في رفع تكلفة الاستيراد بنسبة تجاوزت 30%.
كما أن الإفراط في تدخل الجمارك بموجب القانون 38 لعام 2006 فاقم من مشاكل التجار، وأسهم في زيادة حالات الفساد.
ولا يمكن تجاهل تدهور البنية التحتية، لاسيما في قطاع النقل، حيث لا تزال الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية غير مؤهلة لدعم حركة تجارية نشطة، ما جعل سورية خارج دائرة المنافسة الإقليمية والدولية في هذا المجال.
تكاليف مرتفعة وإجراءات مرهقة
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن تكلفة تصدير حاوية من سورية تبلغ نحو 1113 دولاراً، فيما تصل تكلفة الاستيراد إلى 513 دولاراً، مقابل 137 و98 دولاراً فقط في دول منظمة التعاون والتنمية (OECD). أما من حيث الوقت، فتستغرق معاملة التصدير 84 ساعة، والاستيراد 94 ساعة، مقارنة بـ12.7 ساعة و8.5 ساعة على التوالي في الدول المتقدمة.
إصلاحات مقترحة لإحياء التجارة الخارجية
ولإعادة تنشيط التجارة الخارجية السورية، يقترح الكاتب مجموعة من الإجراءات العاجلة والفعالة، منها:
إلغاء كافة الرسوم الجمركية المعقدة واستبدالها برسم موحد بسيط لا يتجاوز 2.5% إلى 3% على كل السلع.
رفع جميع القيود المفروضة على عمليات الاستيراد والتصدير، بما في ذلك المدفوعات الجانبية تحت أي مسمى.
تبسيط الإجراءات الجمركية واعتماد تقنيات رقمية حديثة لرفع الكفاءة وتقليص الفساد.
تطوير البنية التحتية في الموانئ والمطارات والمعابر بالتعاون مع شركات دولية متخصصة.
فرض سيادة القانون على الجميع دون استثناءات أو امتيازات.
منح السوق حرية كافية لتنظيم نفسه، مع دور إشرافي مرن من الدولة.
ويؤكد الباحث أن تطوير التجارة الخارجية هو أحد الأعمدة الأساسية لإعادة بناء الاقتصاد السوري، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية واضحة وإدارة اقتصادية جديدة قادرة على مواكبة تطورات العصر.
الاقتصاد اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى