الاخبار

روسيا وتركيا بعد ماذا بعد الفتور

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

تتدفق العديد من المعلومات التي تتحدث عن استمرار الخلافات بين أنقرة وموسكو في ما يتعلق بالوضع في سوريا بعد أن أكد الرئيس إردوغان أكثر من مرة عن رفضه الانسحاب من هناك قبل الاتفاق الشامل مع الرئيس الأسد، يسعى البعض للربط بين تأجيل الرئيس السيسي زيارته إلى أنقرة واحتمالات الاتفاق المصري – الروسي في هذا الموضوع، خاصة بعد اهتمام الرئيس بوتين المميز بالرئيس السيسي خلال مشاركته في القمة الروسية – الأفريقية في بطرسبورغ. في الوقت الذي تعرف فيه القاهرة أن الرئيس إردوغان لن ينسحب من ليبيا، وهو الموضوع الأكثر أهمية من سوريا بالنسبة إلى الرئيس السيسي وكل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد حليفَي القاهرة إقليمياً.

ووفقاً لمقالة منشورة في موقع الميادين فبعد موافقة الرئيس إردوغان على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، وكان سبق ذلك تسليمه خمسة من قادة منظمة “آزوف” الفاشية المحتجزين في تركيا للرئيس زيلينسكي خلال زيارته إلى إسطنبول قبل القمة الأطلسية بيومين، تحدثت معلومات عن فتور وتوتر بين موسكو وأنقرة على الرغم من محاولات الرئيس إردوغان ووزير خارجيته ورئيس مخابراته السابق هاكان فيدان تجاوز هذه الأزمة التي أشار إليها المسؤولون الروس في العديد من التصريحات العلنية. اضطر الرئيس إردوغان إلى بذل المزيد من المساعي لإرضاء الرئيس بوتين أولاً، بضرورة الحديث هاتفياً وبالتالي اللقاء العاجل، وهو ما تحقق له بعد أن وافق بوتين على هذا اللقاء في أنقرة (مبدئياً الأربعاء).

وفسّرت الأوساط الدبلوماسية موقف إردوغان هذا بفشله في إقناع واشنطن والعواصم الغربية بضرورة الاستعجال في مساعدته لتجاوز أزمته المالية الخطيرة، على الرغم من موافقته على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي وقيامه بعدد من الخطوات العملية في طريق التعاون العسكري مع كييف، بما في ذلك تصنيع المسيّرات التركية وتطويرها في أوكرانيا. واعتبرت الأوساط المذكورة تأخر الرئيس بايدن في دعوة إردوغان إلى البيت الأبيض من أهم الأسباب التي دفعت الثاني للعودة إلى حواره الساخن مع الرئيس بوتين بعد المقالات التي نشرت في بعض من وسائل الإعلام الروسية، والتي دعت الكرملين إلى الرد بحزم على تناقضات الرئيس إردوغان التي “باتت تشكل خطراً على المصالح الروسية على الصعيدين الإقليمي والدولي”، على حدّ قول الإعلام الروسي.

ومن دون أن يغفل هذا الإعلام الحديث عن تشابك العلاقات الروسية – التركية في جميع المجالات وأهمها المفاعلات النووية التي تنفذها روسيا في تركيا، وتغطي نحو 45٪؜ من استهلاكها من الغاز من روسيا، ويزور نحو ستة ملايين من مواطنيها تركيا كسياح في الوقت الذي اشترى فيه نحو 200 ألف منهم المساكن في تركيا منذ الحرب الأوكرانية.

ويتابع كاتب المقالة : يبدو واضحاً أنهما أيضاً لن يستعجلا في تنفيذ وعودهما للرئيس إردوغان في ما يتعلق بدعم المصرف المركزي التركي الذي يعاني من عجز كبير وخطير في احتياطيات العملات الأجنبية، وعلى الرغم من حديث إردوغان ووزير ماليته محمد شيمشاك عن اهتمام السعودية والإمارات بممتلكات الصندوق السيادي التركي بما في ذلك الموانئ وشركات الخطوط الجوية والبترول والصناعات العسكرية وحتى المصارف الحكومية.

ومع انتظار نتائج زيارة الرئيس بوتين ومباحثاته التي يبدو أنها ستكون حاسمة بعد أن فقد الرئيس إردوغان إمكانيات المناورة إقليمياً ودولياً؛ بسبب تناقضاته المتكررة في علاقاته، ليس فقط مع الرئيس بوتين وزعماء المنطقة، بل مع العواصم الغربية التي لم تعد تثق به بسبب مقولاته الدينية والقومية والتاريخية العثمانية “الاستفزازية”، وأيضاً بسبب تعاونه مع “العدو اللدود” روسيا التي اشترى منها إردوغان صواريخ أس-400 ومن دون أن يقوم بتفعيلها بعد ردّ الفعل الأميركي العنيف.

ويعرف الجميع أن هذا الموقف الأميركي لا ولن يتغير، حتى بعد الموافقة التركية على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف؛ لأن واشنطن تريد لأنقرة أن تعود إلى الحضن الأميركي والأطلسي بلا قيد أو شرط، وحتى إن لم يسهم هذا الحضن في فتح أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه الأتراك. فهم ينتظرون أمام هذه الأبواب منذ 60 عاماً، ويبدو أنهم سيبقون هكذا لأسباب عديدة، منها دينية وثقافية وتاريخية، هذا بالطبع إذا تجاهلنا معايير كوبنهاغن في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي والمساواة بين الرجل والمرأة، والحريات السياسية التي يقول الاتحاد الأوروبي إن تركيا بعيدة كل البعد عنها.

كما هي بعيدة كل البعد عن الحل النهائي للمشكلة القبرصية، وسببها بالنسبة إلى الأوروبيين هو تركيا “التي احتلت الشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974”. ومن دون أن يمنع ذلك الاتحاد من فتح أبوابه للقبارصة اليونانيين عام 2004 طالما هم يمثلون الجمهورية القبرصية المعترف بها دولياً.

وحسب ما هو منشور يبقى القرار للرئيس إردوغان الذي إن استمر في تناقضاته الحالية، ليس فقط على صعيد العلاقة مع الرئيس بوتين وزعماء المنطقة وأخيراً مع العواصم الغربية، فالحظ لن يحالفه في تجاوز مشكلاته الداخلية الخطيرة وأهمّها، من دون شك، الوضع المالي الصعب الذي لا ولن يجد له حلاً، على الرغم من الضرائب المجحفة التي أثقلت كاهل غالبية الشعب وهم بين الجوع والجوع المدقع. ومن دون أن يسمح لهم إردوغان حتى بالتعبير عن استنكارهم لهذا الأمر الواقع المفروض عليهم. فقد زادت أسعار البنزين خلال شهرين فقط بنسبة 90 %، و”الحبل على الجرار”، ما دامت الليرة التركية في وضع لا تحسد عليه أبداً، ولا رقابة على الأسعار التي ارتفعت بنسب تتفاوت بين 200-400 ٪؜ خلال عدة أشهر فقط.

وقد يدفع ذلك المهتمين بتركيا إلى اصطياد الفرص والحصول على ما يمكن الحصول عليه من التنازلات من الرئيس إردوغان، ما دام أنه بحاجة إليهم جميعاً. وما على إردوغان إلا أن يرجح البعض منهم على الآخرين، وهو قرار صعب جداً، كما هي الحال في علاقته مع “تل أبيب”. فقد دعا الرئيس عباس إلى زيارة أنقرة قبل نتنياهو بيومين (26-28 تموز/يوليو) ومن أجل المصالحة بين “إسرائيل” والأطراف الفلسطينية.

وربما لهذا السبب ألغى أو أجّل نتنياهو الزيارة بعد أن تبيّن له أن إردوغان يخطط لجمع عباس مع إسماعيل هنية، على الرغم من وعود إردوغان لـ “تل أبيب”، العام الماضي، بتجميد أو تعليق علاقات أنقرة بحماس، وهو ما فعله قبل زيارة الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ إلى تركيا في 9 آذار/مارس العام الماضي، وبعد لقائه رئيس الوزراء لابيد وقيادات المنظمات اليهودية في نيويورك في أيلول/ سبتمبر العام الماضي أيضاً.

ويبقى الرهان على ذكاء إردوغان وحنكته السياسية في تحقيق التوازن في جميع تناقضاته الخارجية هذه ما دام أنه مرتاح البال داخلياً فلا أحد يستطيع أن يحاسبه على هذه التناقضات التي لم يبال بها الناخب التركي الذي أقنعه إردوغان بمقولات دينية وقومية وتاريخية، وثبُت أنها لا تشبع الجياع، وهم حائرون بعد أن خسرت أحزاب المعارضة مصداقيتها في الانتخابات الأخيرة، وهي الآن وبسبب صراعاتها الداخلية المزمنة في خدمة إردوغان الذي يستعد للانتخابات البلدية في آذار/مارس القادم؛ ليخفف عن نفسه وطأة الضغوط الخارجية، إذ يعتقد أنه بات بين المطرقة الأميركية /العربية والسندان الروسي وهذه هي الحال بالنسبة إلى علاقاته مع أنظمة الخليج و”تل أبيب” وطهران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى