الاخبار

التطبيع السوري – المصري… ترجمة لرغبة عربية يقابلها رفض أميركي بلا ضغوط

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

التطبيع السوري – المصري… ترجمة لرغبة عربية يقابلها رفض أميركي بلا ضغوط

سركيس قصارجيان

بعد أكثر من عقد على عزلتها الدولية، تشهد أروقة الدبلوماسية السورية زخماً كبيراً في التطبيع على اتّجاهات عدة، عربياً ودولياً، بالتزامن مع تغييرات “انقلابية” تشهدها السياسات التقليدية في المنطقة، حيث تبدو دمشق الأقرب إلى الاستفادة منها لإصلاح علاقاتها المتعثّرة مع جوارها العربي خاصة.

أمس التقى وزير الخارجية السوري نظيره المصري في القاهرة، في أول زيارة من نوعها لدبلوماسي سوري رفيع منذ أكثر من عقد، في أحدث مؤشر لبلوغ العلاقات السورية – العربية مراحل متقدّمة على طريق العودة إلى ما قبل “الربيع العربي”.

رسائل إيجابية متبادلة
استعاد الوزراء والمسؤولون السوريون مؤخّراً نشاطهم الدبلوماسي الذي كان متعثراً خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال استئناف الاجتماعات الثنائية مع العديد من نظرائهم الإقليميين، بالتزامن مع الدعوات الصريحة والرسائل غير المباشرة للعديد من القادة والجهات العربية والغربية التي تعبر عن استعدادهم لإعادة العلاقات مع دمشق.

فتبادل الزيارات السورية – الإماراتية، والسورية – الأردنية، ومشاركة دمشق في المحادثات بشأن أزمة الطاقة في لبنان، إضافة إلى احتضانها للاجتماع الرابع لوزراء الزراعة في سوريا والأردن ولبنان والعراق، وما سبقها من خطوات عُرفت بـ”دبلوماسية الزلزال”، تجعل من زيارة المقداد للقاهرة، حدثاً تاريخياً، لكن متوقّعاً، وهو ما يؤكده النائب كريم عبد الكريم درويش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري، في تصريح لـ”النهار العربي”، معتبراً أن “زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد تأتي فى إطار العلاقات التاريخية المصرية السورية والموقف المصري من التمسّك بعدم تفتيت الدول الوطنية بصفة عامة، والدولة السورية بصفة خاصة، ومنع انزلاقها نحو سيناريو التقسيم”.

ويشير درويش، الذي يترأس شرفياً برلمان البحر الأبيض المتوسط، إلى أن “الزيارة تأتي أيضاً بعد جولة قام بها وزير الخارجية المصرى سامح شكري في دمشق، حاملاً رسالة تضامن للشعب السوري بعد الزلازل المدمّر، وتأكيده الحرص على التضامن مع سوريا الشقيقة فى إطار علاقتهما الأخوية”.

سرّعت “دبلوماسية الزلزال” من خطوات عودة العلاقات السورية – العربية، بدءاً من الاتصال الهاتفي بين الأسد وكل من نظيره المصري وملك الأردن، ومروراً بتصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن تشكّل إجماع في العالم العربي على ضرورة الحوار مع دمشق، لا سيما بشأن الوضع الإنساني في سوريا، وصولاً إلى زيارة المقداد، والتي تؤكد التصريحات الرسمية والدبلوماسية الصادرة حول الموضوع من كلا الجانبين، تقدّم قطار التطبيع السوري – المصري بسرعة على المسار المحدد، مع استبعاد أي عراقيل أو منغّصات قد تشهدها الرحلة التي استغرقت جهداً ثنائياً ووساطات لجهات عربية وإقليمية أيضاً قبل وصولها إلى الوضع الحالي.

من جهته، يرى النائب نضال العلو، رئيس لجنة الأخوة البرلمانية السورية – المصرية في تصريح لـ”النهار العربي”، أن “عودة العلاقات بين سوريا ومصر تحقق البعد الكبير للشعبين الشقيقين، لا سيما أن الوحدة الفكرية والإنسانية والشعبية لا تزال قائمة بينهما منذ خمسينات القرن الماضي، ويدرك الشعب السوري أهمية مصر عروبياً كونها من أهم أجنحة العرب فكرياً وتاريخياً وقوةً عسكرية، وهذا ما يجعلها مستهدفة ضمن المخططات التخريبية مثلها مثل بلدنا”.

اختلال موازين القوّة سرّع من التطبيع
أدّت الحرب الروسية – الأوكرانية إلى تعميق اختلال موازين القوّة في المنطقة، والذي بدأ مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض متبنّياً استراتيجية أميركية قائمة على نقل التركيز والاهتمام من الشرق الأوسط إلى بحر الصين، إضافة إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما أثاره من مخاوف جدّية لدى حلفاء واشنطن التقليديين في مجالي التنمية الاقتصادية والقدرات والتحالفات العسكرية، وهو ما دفع بالعديد من الدول إلى تسريع خطوات التطبيع لتفادي المخاطر المترتبة على هذا الخلل، وطي صفحة الخلافات السياسية والثقافية والدينية السائدة في ما بينها، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى صدامات مباشرة أو حروب بالوكالة في السنوات الأخيرة.

يعتبر درويش “زيارة فيصل المقداد للقاهرة تعزيزاً للتعاون الثنائي بين البلدين والرغبة في تطوير العلاقات في إطار الموقف المصري المبدئي في الحفاظ على مقدّرات الشعب السوري ووحدة أراضيه، وإعادة بناء مؤسساته الوطنية حفاظاً على الدولة الوطنية السورية”.

إلى جانب “المقاربة العروبية” التي يطرحها العلو لعودة العلاقات السورية – المصرية، حيث “المصالح المشتركة تكمن في البعد العروبي الذي بدأ ينضج عندما أدركنا ضرورة عدم الانطواء وراء الهيمنة الأميركية للعالم، ورأينا بأم أعيننا (أن المتغطّي بالأميركان عريان)، فإن المتابع للتطورات السريعة في المنطقة يدرك انطلاق الحماسة العربية للتطبيع مع دمشق من سياساتها الساعية إلى توليد آليات يمكنها التغلّب على التحدّيات التي طرحتها المستجدات الإقليمية والعالمية، إلى جانب الحرب الروسية – الأوكرانية، كالتأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد على بعض الدول كالأردن مثلاً، والعقبة التي تشكّلها حرب اليمن على رؤية السعودية لعام 2030، والفاتورة الباهظة لـ”الربيع العربي” في ليبيا على الأمن القومي المصري، وغيرها”.

يعتقد الباحث المصري في العلاقات الدولية، أحمد العناني، أن “عودة سوريا إلى الجامعة العربية، هي أحد الملفات المتداولة في هذه الزيارة، إلى جانب عملية الاستقرار السياسي في الداخل السوري، ومشاركة مصر في عملية إعادة الإعمار، والملفات المرتبطة بالأوضاع في المنطقة عامةً”.
ويشرح العناني في تصريح لـ”النهار العربي” أن “مصر ترى أن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة، ويعني ذلك عدم وجود “داعش” في المنطقة، وأنه سيكون هناك انسحابات لبعض الدول الموجودة في الداخل السوري بطريقة غير شرعية. كل هذه الأمور تهمّ الدولة المصرية”.

التطبيع مصلحة مشتركة
تحتفي دمشق بالضيوف العرب والأجانب، الذين يحظون باستقبال دافئ وحافل، ولقاءات مع أعلى المستويات، بدءاً من رئيس الجمهورية، في إشارة إلى الرغبة السورية لتجاوز حقبة القطيعة العربية والدولية التي سادت خلال سنوات الحرب الطويلة.

وبرأي العناني، أن “الجانب السوري يشعر بالعزلة، ووجود دولة بحجم مصر في ظل العلاقات مع الجانب الروسي، يعطي متنفّساً للحكومة السورية لجهة سهولة تطبيع علاقاتها مع كل الدول العربية. مصر دولة هامة في المنطقة ووازنة في الشرق الأوسط وتدعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية. كل هذه الأمور هي ملفات هامة ومصالح متبادلة”.
وأكد أن “مصلحة مصر في وجود سوريا هو ملف أمني من الطراز الأول في ما يخص استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب. وحينما تكون دولة بحجم سوريا مستقرة أعتقد أن ذلك سينعكس على المنطقة، كما أن الجانب السوري ينظر إلى أن مصر قادرة على دعم دمشق سياسياً وتحشيد الدعم العربي من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية والحاضنة العربية”.

من جهته، يرى العلو أن “المصالح المشتركة بين الشعبين كثيرة ومترجمة مادّياً في الحياة العملية والشعبية التي سبقت السياسة من خلال رجال الأعمال وأصحاب المشاريع، سواء الاقتصادية أو حتى الفكرية. فما من وجود حقيقي ومؤثر لكلتا الدولتين دون بعضهما البعض”.
أما حول ما تنتظره سوريا “أو حتى الشعب السوري” من هذه العلاقة، وفق تعبير العلو، “فهو ترجمة الأخوة من خلال السياسة. فنحن من أكل الطعنات خلال سنوات عجاف، ونعتقد أن الصحوة العربية الحقيقة ستساعد في التئام الجراح ونسيان الطعنات”.

ويؤكد المراقبون من الطرفين عدم وجود عوائق أمام عودة العلاقات السورية – المصرية إلى طبيعتها. فبرأي العلو “لن تكون هناك عوائق في حال وجود النيات الحقيقية بالعودة إلى عروبيتنا. فنحن أمة وأشقاء ولسنا بحاجة إلى إملاء أحد، ومن الطبيعي ألا نشرك في قضايانا العربية أحداً”.
ومن جهته، يؤكد العناني “عدم وجود مشكلات عالقة أمام عودة العلاقات السورية – المصرية، فمصر لها رؤية، وهي تريد مساعدة دمشق في عملية التحشيد في ظل وجود دول عربية كقطر وغيرها تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومصر تستطيع إقناع هذه الدول، ولا ملفّات متشابكة تتعارض بين الطرفين، بل هناك تطابق في المصالح بين الجانبين”.

معارضة أميركية مرنة بعيداً من التهديد
في ظل التناغم الكبير بين السياسات المصرية والسعودية في السنوات الأخيرة، فإنه لا يمكن مقاربة ملف التطبيع السوري – المصري بعيداً من المحادثات السورية – السعودية والزيارة المرتقبة لوزير خارجية المملكة لدمشق، والتي ترتبط أيضاً بخطوات التقارب بين الرياض وطهران، والمجدولة بمدة 60 يوماً، ما يدل إلى وجود مطالب سعودية تحرص الرياض على تحقيقها قبل المضي قدماً في مسار عودة علاقاتها مع جارتها اللدود إلى طبيعتها.

بالتزامن مع نشاط الأروقة الدبلوماسية في المنطقة، أعادت الحكومات الغربية والعربية قبل أيام تأكيد دعمها لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 بشأن الأزمة السورية، في الاجتماع الذي عقد في العاصمة الأردنية عمّان، بمشاركة ممثلين من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والنروج والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والجامعة العربية ومصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات.

تُقابل الحماسة العربية للتطبيع مع دمشق باستياء كبير من الجانب الأميركي، مع حرص واشنطن على إبداء مرونة غير مسبوقة في مواقفها الرافضة لتطبيع الدول العربية مع دمشق. تُرجمت هذه المرونة عبر تراجع الولايات المتحدة عن التلويح بعصا العقوبات والإجراءات العقابية، والاستعاضة عنها بتأكيد “ضرورة حصول الدول العربية التي تتجه للتقارب مع الرئيس بشار الأسد على شيء” في المقابل.

كشفت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية، باربرا ليف، التي زارت الأردن ومصر وليبيا ولبنان وتونس في الأسبوعين الماضيين، أن الولايات المتحدة بعثت برسالة مفادها أنها لن تحذو حذو حلفائها في الشرق الأوسط لناحية التطبيع مع دمشق، مؤكدة استمرار نهج فرض العقوبات على شخصيات وكيانات سورية.
وحول تأثير الموقف الأميركي على القاهرة، واحتمالات أن تؤدي ضغوط واشنطن إلى تعثّر مسار التطبيع، يرى العناني أن “مصر تدير هذا الأمر بتوازن، فعلاقتها قوية مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعد الأزمة الروسية – الأوكرانية هناك توجّه لعلاقات مع الصين وروسيا، ولكن أعتقد أن الولايات المتحدة لن تضغط على دولة بحجم مصر لأن هناك مصالح مشتركة”.

ويقول العناني: “لا ننسى أن مصر ركيزة الاستقرار في ما يخص عملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الملف الفلسطيني – الإسرائيلي وعملية التهدئة التي تقوم بها، وهناك علاقات جيوسياسية واقتصادية وحتى استراتيجية في ملف مكافحة الإرهاب. كل هذه الأمور تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تضغط على الجانب المصري، بل على العكس قد تكون مصر قادرة على إقناع الولايات المتحدة بعودة سوريا إلى الحاضنة العربية”.

النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى