كيف ستؤثر مبادرة قطر لتمويل رواتب الموظفين على اقتصاد سوريا؟

في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية، أعلنت قطر عن مبادرة مالية جديدة لدعم رواتب العاملين في القطاع العام السوري، في أول تدخل خارجي مباشر لصالح الحكومة السورية الجديدة. المبادرة، التي اعتبرها مراقبون نقطة تحوّل في مسار التعافي الاقتصادي، تأتي بعد سنوات من الحرب والفساد والانهيار المؤسسي.
وبحسب تصريحات وزير المالية السوري محمد يسر برنية، تبلغ قيمة المنحة القطرية 29 مليون دولار شهريًا ولمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وتستهدف دعم أجور العاملين في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين غير العسكريين. ووفقاً للبيان الرسمي، فإن هذه المنحة ستغطي نحو 20% من إجمالي كتلة الرواتب الشهرية الحالية، وسيتم تنفيذها عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
أبعاد سياسية واقتصادية
يرى الباحث السياسي مصطفى النعيمي أن هذه المبادرة قد تكون تمهيدًا لحزم دعم أخرى، وتُعد مؤشرًا على رغبة عربية في إعادة دمج سوريا ضمن محيطها الإقليمي. كما أشار إلى أن الدور القطري يعكس تحولًا استراتيجيًا يهدف إلى تثبيت الاستقرار ودفع عجلة الاقتصاد السوري المتعثر.
وتزامنت هذه المبادرة مع تخفيف أميركي جزئي للقيود على التحويلات المالية، مما قد يفتح الباب تدريجيًا أمام رفع بعض العقوبات، ويشجع على تدفق دعم اقتصادي من دول أخرى.
تأثير اقتصادي محتمل
الخبير الاقتصادي فراس شعبو يرى في المنحة القطرية فرصة لتحقيق استقرار مالي مؤقت، وتوفير مساحة لإجراء إصلاحات في الإدارة العامة. كما أشار إلى إمكانية توجيه جزء من الميزانية نحو مشاريع إنتاجية، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على الواقع المعيشي.
ومع ذلك، حذر الخبير الاقتصادي يونس الكريم من احتمال تسبب هذه الأموال في رفع أسعار السلع الأساسية نتيجة ارتفاع الطلب، مشيرًا إلى ضعف العرض وقيود السيولة كعوامل قد تحد من التأثير الإيجابي المتوقع. وأضاف أن حجم المنحة محدود بالنسبة لاحتياجات السوق السوري ولا يُتوقع أن يكون له تأثير كبير على سعر صرف الليرة السورية، خاصة في ظل تحكم المصرف المركزي في تسعير العملة بشكل غير مرتبط بآليات السوق.
دعم لقطاعات حيوية
وبحسب المحللين، قد تساهم هذه المنحة في تحسين وضع قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، عبر تخفيف الضغط المالي عن الموازنة العامة. وأشار يونس الكريم إلى أن تحسين رواتب المعلمين أو أولياء الأمور قد يعزز فرص بقاء الأطفال في المدارس ويحد من ظاهرة تسرب الكوادر التعليمية.
قطر تواصل دعمها لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد
تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من المبادرات القطرية لدعم سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وشملت الجهود القطرية السابقة إعادة تأهيل مطارات بالشراكة مع تركيا، وتقديم الغاز الطبيعي عبر الأردن لتحسين أداء قطاع الكهرباء، إلى جانب تسوية ديون سوريا لدى البنك الدولي بالتعاون مع السعودية، ما مهد لاستئناف برامج الدعم الدولية بعد انقطاع دام 14 عامًا.
الجزيرة