سورية فقدت نصف قوتها العاملة خلال 12 عاماً.. سوق العمل في مهبّ الأزمة

شهدت سورية منذ عام 2011 تدهوراً عميقاً في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكان قطاع العمل من بين أكثر القطاعات تضرراً.
فقد تسببت الحرب، إلى جانب السياسات الاقتصادية المتبعة، في تقليص عدد العاملين بشكل كبير وتفاقم نسب البطالة والفقر.
تراجع كبير في عدد العاملين وركود في سوق العمل
وفق بيانات صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، بلغ عدد العاملين في سورية عام 2010 نحو 5 ملايين شخص، معظمهم في القطاع الخاص.
لكن بحلول عام 2022، انخفض العدد إلى أقل من 2.85 مليون، ما يعكس تراجعاً بنسبة تقارب 44% خلال 12 عاماً.
وقد شهد القطاع الحكومي زيادة بسيطة في عدد موظفيه، في حين تعرض القطاع الخاص لضربة موجعة بخسارة أكثر من 2.2 مليون عامل.
أما القطاع المشترك، فظل مستقراً تقريباً، لكنه لم يستوعب سوى عدد محدود من العاملين.
تحولات واضحة في تركيبة القوى العاملة
فيما يخص التوزع بين الذكور والإناث، تظهر البيانات تغيراً ملحوظاً.
فعدد الذكور العاملين انخفض من أكثر من 4.4 ملايين في 2010 إلى نحو 2 مليون فقط في 2022، في حين ارتفع عدد النساء العاملات من نحو 650 ألف إلى أكثر من 800 ألف خلال نفس الفترة.
لكن هذا الارتفاع في عدد النساء لا يعكس تحسناً في أوضاعهن، بل نتيجة لظروف اقتصادية دفعت الكثيرات إلى دخول سوق العمل رغم ضعف الأجور وغياب الاستقرار الوظيفي.
هيمنة قطاع الخدمات وتراجع القطاعات الإنتاجية
تشير البيانات إلى اعتماد متزايد على قطاع الخدمات في التوظيف الحكومي، حيث ارتفع عدد العاملين فيه إلى أكثر من 1.2 مليون موظف في 2022، بينما تراجع قطاع الصناعة بشكل كبير، إذ انخفض عدد العاملين فيه بنسبة 50%، من 161 ألف إلى 80 ألف فقط.
القطاع الزراعي حافظ على استقرار نسبي، لكنه لم يستوعب سوى أعداد محدودة من الموظفين، ما يعكس إهمال القطاعات الإنتاجية لصالح الخدمات، رغم الحاجة الماسة لتنشيط الزراعة والصناعة لدعم الاقتصاد الحقيقي.
ارتفاع معدلات البطالة وشكوك حول دقة الأرقام الرسمية
أظهرت الإحصاءات الرسمية أن عدد العاطلين عن العمل بلغ أكثر من 1.4 مليون شخص في 2022، أي ما يمثل نحو 24% من إجمالي القوى العاملة. ومع ذلك، يشكك كثيرون في دقة هذه الأرقام، معتبرين أن البطالة الحقيقية تتجاوز 37%.
وتُظهر البيانات أن البطالة بين النساء تفوق نظيرها لدى الذكور، حيث بلغ عدد العاطلات عن العمل أكثر من 750 ألف امرأة، مقابل نحو 660 ألف رجل.
بطالة مقنّعة تهدد مستقبل سوق العمل
إلى جانب البطالة الصريحة، تعاني سورية من بطالة مقنّعة واسعة النطاق، حيث يعمل عدد كبير من الأشخاص في وظائف غير منتجة أو لا تتناسب مع مؤهلاتهم، وسط أجور منخفضة وظروف عمل غير مستقرة.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة البطالة المقنّعة قد تتجاوز 85%، وهو مؤشر خطير يدل على عجز الاقتصاد عن خلق وظائف حقيقية، ويعكس فقدان الأمل لدى شريحة واسعة من السوريين في تأمين مستقبل مهني مستقر داخل البلاد.
أزمة هيكلية تتطلب حلولاً جذرية
الوضع الراهن في سوق العمل السوري لا يمكن حله بإجراءات سطحية أو مؤقتة، بل يتطلب إصلاحاً اقتصادياً شاملاً يعيد الاعتبار للقطاعات الإنتاجية ويوفر بيئة عمل آمنة ومنتجة.
فبدون تدخل فعلي يعالج جذور الأزمة، ستستمر البطالة في تقويض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لسنوات قادمة.
الاقتصاد اليوم