بعلبك… مدينة الشمس في عين العاصفة الإسرائيلية
على بُعد نحو ساعتين من العاصمة بيروت، تتناغم أعمدة بعلبك الأثرية مع مشهد الزمان والمكان، حيث يلتقي الماضي بالحاضر والمستقبل. في هذه المدينة التاريخية، وخاصة في قلعتها الشهيرة، تجد العديد من القصص التي تحكي عن الأساطير، الآلهة، والشمس، وكذلك المهرجانات التي شهدت تلاقياً بين موسيقى الشرق والألحان العالمية. واحدة من أجمل تلك الحكايات هي قصة الفنانة فيروز، التي اعتادت أن تسكن فندق “البالميرا” القريب من القلعة أثناء زياراتها لبعلبك. اليوم، أصبحت إحدى غرف هذا الفندق تحمل اسم “غرفة فيروز”، تكريماً لسفيرة لبنان إلى النجوم.
لكن حكايات الجمال التي تميز بعلبك وتاريخها العريق، تكاد تتحول اليوم إلى جزء من الأرشيف والذكريات. فإسرائيل، التي تخوض حرباً ضد لبنان، جعلت من قلعة بعلبك، التي تشكل إرثاً إنسانياً عابراً للحدود، هدفاً لعدوانها. ولحسن الحظ، لم تتعرض القلعة لتدمير شامل حتى الآن، ولكن الوضع لا يزال مقلقاً.
لقد اضطر أهالي بعلبك، من نساء وأطفال وشيوخ، إلى النزوح من مدينتهم، التي أصبحت خالية من الحياة، في صورة مشابهة لصمت التاريخ الذي يواجه التدمير. هذا الصمت يعكس حجم المعاناة والدمار الذي تشهده المدينة، بما في ذلك رغبة البعض في محو معالم حضاراتها وثقافاتها.
وفي هذا السياق، تحدث الدكتور جان يسمين، خبير في صيانة وإدارة المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، لوكالة “سبوتنيك”، قائلاً: “بعلبك مدينة تاريخية هامة، تحتوي على آثار رومانية ذات قيمة عالمية، وقد تحولت آثارها في الفترة الإسلامية إلى قلعة ضخمة”.
من جانبه، قال بشير خضر، محافظ بعلبك-الهرمل، في تصريحات لوكالة “سبوتنيك”: “الوضع في بعلبك صعب جداً. المدينة تعرضت لعدد كبير من الغارات الجوية، وهناك العديد من الشهداء والجرحى، بينما يوجد أشخاص تحت الأنقاض. كما تشهد المدينة حركة نزوح كبيرة.”
وفيما يتعلق بالتراث اللبناني، قال سركيس خوري، مدير عام مديرية الآثار في لبنان، لوكالة “سبوتنيك”: “لقد تقدم وزير الثقافة اللبناني بعدة طلبات إلى اليونسكو، عبر البعثة الدبلوماسية اللبنانية في المنظمة، بهدف حماية المعالم الأثرية في البلاد.”
منذ أكثر من شهر، يتعرض العديد من المواقع التاريخية في لبنان لخطر التدمير بسبب التصعيد العسكري المستمر. وقد طال القصف الإسرائيلي مؤخراً مدينة بعلبك، التي تعرف بـ “مدينة الشمس”، مما أثار قلقاً كبيراً بشأن حماية التراث اللبناني. كما تعرضت المناطق التاريخية في صور للقصف، في حين أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرات للإخلاء في 23 أكتوبر. القصف لم يقتصر على المباني السكنية والأسواق، بل طال أيضاً المعالم التراثية التي تشكل جزءاً من الهوية الثقافية للبنان، مما يثير التساؤلات حول أهداف إسرائيل في محو تاريخ هذا البلد العريق.
سبوتنيك