“الدم مقابل الأمان”.. قصة ارتباط “دروز فلسطين” بجيش الاحتلال
في واحدة من أقوى الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الميدان منذ بدء عمليات “طوفان الأقصى”، قتل العقيد إحسان دقسة، قائد لواء 401 المدرع، والذي كان يعد أحد أبرز القادة العسكريين في قوات الاحتلال التي ترتكب المجازر داخل غزة منذ أكثر من عام.
مقتل دقسة لم يكن حدثاً عادياً؛ فهو أعلى رتبة عسكرية تُقتل منذ اندلاع الحرب، ويترأس أحد أهم الألوية المدرعة، المعروف باسم “أعقاب الفولاذ”، الذي يُعتبر العمود الفقري لسلاح المدرعات الإسرائيلي.
وما قد يثير الغرابة أن قائد الكتيبة المقتول يحمل اسمًا عربيًا، و هذه ليست مصادفة، فهو عربي بالفعل ينتمي للطائفة الدرزية التي تعد واحدة من الطوائف العربية المتواجدة في منطقة بلاد الشام، و رغم كونها جزءًا من النسيج العربي في فلسطين، إلا أنها تلعب دورًا داخل المؤسسة العسكرية للاحتلال. فلماذا تخدم هذه الطائفة في جيش الاحتلال وما قصتها وكم يبلغ عدد منتسبيها في فلسطين المحتلة؟
كم يبلغ عدد الدروز في إسرائيل؟
يبلغ عدد أفراد الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة اليوم حوالي 143 ألف نسمة، أي ما يشكل نحو 1.6% من إجمالي السكان، و7.6% من السكان العرب فيها. و يعيش معظمهم في الشمال، خاصة في منطقة الجليل وجبال الكرمل، وهناك العديد من القرى والبلدات الدرزية المعروفة، مثل بيت جن، ودالية الكرمل، وعسفيا، ويركا، وجولس، والرامة، وحرفيش، والمغار، والبقيعة، وشفاعمر، ومجدل شمس، وغيرها.
وقد شغل العديد منهم مقاعد في الكنيست الإسرائيلي وتقلدوا مناصب حكومية ووزارية وحتى دبلوماسية في دولة الاحتلال.
ففي تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت، يقول زيدان عطشة، وهو دبلوماسي درزي سابق شغل منصب قنصل الاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة بين عامي 1972 و1976، وعضوًا في الكنيست خلال دورات 1977 و1981، وكذلك بين 1984 و1988، ينحدر زيدان عطشة من بلدة عسفيا الواقعة في جبل الكرمل قرب مدينة حيفا، أن “الدروز لا يستطيعون التأثير في سياسات إسرائيل الخارجية، ولكن لهم في الداخل تأثيراً نوعياً، حيث يتفاعلون مع الدولة، بما أنهم يتجندون في الخدمة الإجبارية مثلهم مثل اليهود، أي لثلاث سنوات. كما أنهم موجودون في كل الأجهزة الأمنية، علماً أن بقية الطوائف من مسلمين ومسيحيين وبدو، يلتحقون بالجيش ولكن طوعاً، وهذا يعني أنهم يتقاضون رواتب”.
كم يبلغ عدد الدروز في جيش الاحتلال؟
فعلى عكس غالبية العرب في الداخل الإسرائيلي، يُجبر الدروز على الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تُعتبر هذه الخدمة إلزامية لهم تماماً كما هي لليهود. نتيجة لهذا التجنيد الإجباري، يشغل العديد من أفراد الطائفة الدرزية مناصب عسكرية رفيعة في جيش الاحتلال.
و تشير العديد من التقارير إلى أن 85% من أبناء الطائفة الدرزية يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود المنخرطين في جيش الاحتلال.
وقد أسفر انخراطهم في جيش الاحتلال ومشاركتهم في حروب الاحتلال عن مقتل أكثر من 400 درزي ممن خدموا في صفوف قوات الاحتلال. و قد انخرطوا هولاء الجنود في وحدات متنوعة، كان أبرزها ألوية المشاة المختارة، إلى جانب وحدات الشرطة وحرس الحدود.
ومن بين أبرز الشخصيات الدرزية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يبرز الجنرال غسان عليان، الذي قاد لواء “غولاني”، أحد أشهر ألوية المشاة النخبوية في جيش الاحتلال، وقد أصيب بجروح خطيرة خلال حرب غزة عام 2014 بنيران المقاومة الفلسطينية، ويشغل منصب منسق شؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة أمن الاحتلال.
ولم يكن أول درزي في هذا المنصب، فقد سبقه في هذا المنصب الجنرال الدرزي كميل أبو ركن، بالإضافة إلى ذلك، يبرز العقيد أيوب كيوف، الذي قاد وحدتين من وحدات النخبة هما “شيلداغ” و”سييرت غولاني”، ويشغل حالياً منصب قائد لواء “منشيه” المسؤول عن منطقة جنين.
وفي عام 2018، قتل ضابط درزي علي يدي كتائب القسام عندما كان يقود وحدة إسرائيلية خاصة تسللت إلى قطاع غزة.
متى بدأ انخراط الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي؟
تختلف التقديرات الإسرائيلية حول التاريخ الدقيق لانخراط الدروز في جيش الاحتلال، ولكن بعض التقارير تشير إلى أن مشاركة الدروز بدأت منذ إنشاء دولة الاحتلال عام 1948. فخلال تلك الفترة، تطوع أفراد من الطائفة الدرزية للانضمام إلى جيش الاحتلال ضمن كتيبة خاصة ضمت الدروز والبدو والشركس، وذلك في إطار ما أطلق عليه “حلف الدم”، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لحكومة الاحتلال، إذ يعطي الدروز لدولة الاحتلال دمهم ويحصلون على الأمان.
في عام 1956، وبعد عقد اتفاق مع زعيم الطائفة الدرزية، تم سن قانون يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الدروز في إسرائيل.
وفي عام 1974، تم تشكيل الكتيبة الدرزية المعروفة باسم “حيرف”، وهي وحدة برية نظامية في جيش الاحتلال تتكون في معظمها من الجنود الدروز.
منذ بدء التجنيد الإجباري للدروز في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وحتى نهاية عام 2022، بلغ عدد قتلى جيش الاحتلال من أبناء الطائفة الدرزية 429 جنديًا. و هذا العدد لا يشمل عدد القتلي الدروز المجندين في جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية على غزة.
وقد اعترف رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو بدورهم في حفظ أمن الاحتلال، كما أكد يعكوف شيمعوني وهو دبلوماسي إسرائيلي على أن تجنيد الدروز هو حربة يطعن بها القومية العربية ويؤثر بها على دروز سوريا ولبنان.
هل هناك من يرفض من الدروز الخدمة في جيش الاحتلال ولماذا؟
رغم الانغماس الكبير للدروز في الجيش، فإن هناك فئة غير راضية عن استخدام الاحتلال لهم كأداة قتل ضد شعبهم، فقد بدأت نسبة رفض الدروز للخدمة العسكرية بجيش الاحتلال بالازدياد مع اندلاع معارك مع الفلسطينيين، تمثلت في انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وحروب غزة.
فبعض شباب الدروز يرفضون حمل السلاح ضد الشعب الفلسطيني، ولا يستطيعون الانخراط في جيش يعمل على منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، “لا نقدر على رفع السلاح بوجه شعبنا”.
وقد عبّر الشيخ نمر نمر من “لجنة المبادرة الدرزية” في عام 2019 عن رفض الخدمة الإجبارية في الجيش، مستندًا إلى مواقف قومية ووطنية وأخلاقية وإنسانية. وصرّح قائلًا: “نحن عرب أقحاح، شاءت إسرائيل أم أبت”، معتبرًا أن إسرائيل تسعى لزرع التفرقة بين أبناء الشعب الواحد وتجزئتهم إلى طوائف.
في إطار الجهود الرامية لزيادة الوعي حول خطورة التجنيد الإجباري للدروز في جيش الاحتلال، نظمت “لجنة المبادرة العربية الدرزية” نحو 265 نشاطاً مناهضاً للتجنيد خلال الفترة من 2012 إلى 2021، بجانب حراك “أرفض. شعبك بيحميك”
وتشير تقارير ودراسات إلى تنامي الرفض للخدمة العسكرية بين الدروز. فوفقًا لدراسة أجراها مؤتمر هرتسيليا السنوي، بلغ عدد الرافضين للتجنيد بين الدروز 54%. فيما أشارت دراسة أخرى صادرة عن جامعة حيفا إلى أن 65% من الدروز يرفضون الخدمة العسكرية.
هذه الإحصائيات دفعت مؤتمر هرتسيليا إلى التحذير، خلال دورتين متتاليتين، من تزايد فقدان الدروز في صفوف الجيش الإسرائيلي، ودعا الجهات العسكرية إلى تكثيف جهودها لاحتواء هذا التوجه.
ومع ذلك، فإن هؤلاء الرافضين يواجهون محاكمات عسكرية، حيث تصدر بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين 5 و30 يومًا. ورغم الإفراج عنهم بعد انتهاء المدة، يتم استدعاؤهم مجددًا لمحاكمات مماثلة في محاولة للضغط عليهم وإجبارهم على التراجع عن قرارهم، قبل تحويل ملفاتهم إلى النيابة العسكرية.
بالإضافة لذلك، يرى الكثير من الدروز، أن التجنيد الإجباري لم يشفع للطائفة الدرزية لتحصيل المساواة، إذ تعرضوا لسلسلة من الضربات من المؤسسة السياسية للاحتلال، وخاصة في ظل الحكومات اليمينية المتطرفة في السنوات الأخيرة.
فوفقاً لعدة تقارير تشير إلى أن حالة السخط تعود لعام 2018، عندما تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في تل أبيب للاحتجاج على قانون “الدولة القومية” الإسرائيلي المثير للجدل.
فمع سن قانون القومية اليهودي في الكنيست الإسرائيلي، والذي يُعرف الاحتلال بأنه دولة القومية للشعب اليهودي وأن “حق ممارسة تقرير المصير القومي في دولة الاحتلال خاص بالشعب اليهودي فقط، ارتفعت مزيد من الأصوات المماثلة لصوت جلاء برفض التجنيد الإجباري وربط مصيرهم مع اليهود.
و طالب المحتجون من الدروز حينها إبطال قانون القومية الجديد وتعديله. وكان من الشخصيات الدرزية البارزة التي شاركت في بعض المناسبات والاحتجاجات الدرزية الزعيم الروحي الشيخ موفق طريف الذي قال مخاطباً الجموع: “رغم ولائنا المطلق إلا إن إسرائيل لا تعتبرنا مواطنين متساوين.”
فما كان من الجمهور إلا أن هتف قائلاً: “المساواة! المساواة!” ورفع المشاركون يافطات كتب عليها: “إذا كنا إخوة فيجب أن نكون متساوين.”
وقدم قادة الطائفة الدرزية حينها من ضمنهم ثلاثة أعضاء كنيست، التماسًا لمحكمة العدل العليا ضد القانون،بدعوى أنه بمثابة خطوة متطرفة تشكل تمييزا ضد الأقليات في دولة الاحتلال.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو انسحاب النقيب أمير جمال من الخدمة في جيش الاحتلال في عام 2018، حيث دعا الشباب على رفض سياسة التجنيد الإلزامي والعمل على إنهائها، احتجاجاً على القانون.
وفي عام 2023، كانت هناك علامات أخرى لغضب الدروز مع اندلاع احتجاجات واشتباكات جماهيرية في المجتمعات الدرزية في مرتفعات الجولان المحتل ضد بناء 23 توربينًا للرياح تعمل بالطاقة النظيفة في معركة ذات أبعاد سياسية حيث رأوا أن مشروع التوربينات يعطل الزراعة الدرزية ويتعدى على أراضيهم.
عربي بوست