هل سترفع الحكومة سن التقاعد
مع التقدم الطبي وارتفاع متوسط العمر المتوقع في كثير من الدول، لم يعد سن التقاعد الذي يبلغ 60 عامًا مناسبًا. لذلك، اتجهت العديد من الدول إلى رفع سن التقاعد إلى 65 عامًا وبعضها وصل إلى 70 عامًا، مستفيدة من الأنظمة المتقدمة في الرعاية الصحية. ففي هذا العمر، يتمتع الفرد بالقوة والخبرة، مع إمكانية الاستمرار في الإنتاج وتراكم سنوات من الخبرة، خاصةً أن متوسط الأعمار في بعض الدول يقترب من 80 عامًا. وإحالة الفرد إلى التقاعد في سن الستين قد تتركه بلا عمل لفترة تصل إلى 20 عامًا، مما قد يؤثر سلبًا على حالته النفسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يشعر بالانفصال عن المجتمع.
ورغم أن الدول المتقدمة تعتبر التقاعد فرصة للاستمتاع بالحياة من خلال امتيازات سخية، إلا أن الأمر يختلف في البلدان النامية مثل سوريا، حيث لا تكفي رواتب التقاعد لتغطية الاحتياجات الأساسية. هذا الواقع دفع بالكثيرين للحديث عن ضرورة تعديل قوانين العمل ورفع سن التقاعد في سوريا، خصوصًا في ظل نزيف الكفاءات البشرية إلى الخارج نتيجة ضغوط الحياة المعيشية. ومن بين المؤشرات الإيجابية التي زادت التوقعات، صدور مرسوم يرفع سن تقاعد الأطباء العاملين في الدولة إلى 65 عامًا مع إمكانية التمديد حتى 70 عامًا، بسبب النقص الحاد في الكوادر الطبية.
من ناحية أخرى، يخشى البعض أن رفع سن التقاعد قد يحرم الشباب والخريجين الجدد من فرص العمل. إلا أن هناك من يرى أن الظروف المعيشية الحالية تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة قبل دخول سوق العمل، مما يجعل رفع سن التقاعد للكوادر المؤهلة مصلحة وطنية. في المقابل، يمكن الحفاظ على سن التقاعد الحالي للفئات التي تتطلب مجهودًا عضليًا، بحيث يكون هناك توازن بين الاحتياجات المختلفة.
يرى خبراء الإدارة أن رفع سن التقاعد إلى 65 عامًا يمكن أن يعزز موارد صناديق التقاعد ويُسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى كبار السن، خاصة في المهن التي لا يرتبط فيها الأداء بعمر محدد، مثل الطب والهندسة والصحافة. كما يُمكن أن يقلل رفع سن التقاعد من مدة استحقاق المعاش التقاعدي، مما يوفر موارد إضافية للدولة عبر استمرار دفع الاشتراكات لفترة أطول.
ورغم هذه الفوائد، يرى البعض أن رفع سن التقاعد قد يؤدي إلى زيادة البطالة بين الشباب، حيث سيتأخر خروج الموظفين القدامى من سوق العمل. لكن في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، قد لا تكون هذه المخاوف قائمة بشكل كبير.
في النهاية، يجب أن يستند أي قرار يتعلق برفع سن التقاعد في سوريا إلى المصلحة الوطنية العليا. وفي بلد تعرض لعقد من الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن الحفاظ على الخبرات المتبقية أمر بالغ الأهمية. لذلك، يجب أن ترافق خطوة رفع سن التقاعد بتحسينات ملموسة في الأوضاع المعيشية لتلك الكفاءات، لضمان استمرارهم في العمل بحماس وإنتاجية، حيث أن الدافع النفسي والاقتصادي هما أساس لأي نجاح مستقبلي.
المشهد أونلاين