ما قصة هذه الأغنية الشهيرة لفيروز: “يالله تنام يالله تنام لدبحلا طير الحمام “..
“يالله تنام يالله تنام لدبحلا طير الحمام”.. أغنية شهيرة ترددها ملايين الأمهات، ولكن قليلون هم من يعرفون أن وراء هذه الكلمات قصة إنسانية مؤلمة حدثت في مدينة معلولا. هذه الأغنية، التي غنتها السيدة فيروز، تأتي من قلب التراث المعلولي، ممزوجة بالألم والإبداع والثبات.
تعود أحداث القصة إلى زمن بعيد في معلولا، حيث كانت فتاة في العاشرة من عمرها قد خُطفت من منزلها بينما كان أهلها يعملون في جني محصول المشمش والخوخ في الوديان البعيدة. مجموعة من البدو جابوا ساحات المدينة وبيوتها، ووجدوا الفتاة وحيدة في منزلها، وهي أخت الشماس عيسى آنذاك. خُطفت الفتاة الصغيرة، تاركة عائلتها في حزن وألم لا يوصف.
بحث الأهل طويلاً عن ابنتهم، لكن دون جدوى. ومرت السنوات، إلى أن جاء رجل من معلولا يُدعى “جبل الحلو”، وكان يبيع العنب والتين في منطقة تلك القبيلة التي اختطفت الفتاة. حين رأت الفتاة الرجل، تعرفت عليه فورًا، ولكن لم يعرفها هو. حاولت إيصال رسالتها له بطريقة ذكية دون أن تلفت انتباه أفراد القبيلة، فبدأت بالغناء له من شباك منزلها، وهي تهز طفلها وتغني كلمات تجمع بين الآرامية والعربية.
غنت الفتاة أغنية حملت في طياتها رموزًا ومعلومات عن عائلتها: “هيو هيو يالبني يالمزبن عنبي… مليه لبي ملي لمي نغبوني العربي بايثح كم الكليسا حوني شموسا عيسى بقرتنا حمرا نفيسة وكلبنا اسلك سلوك يالله ينام يالله ينام لادبحلو طير الحمام”
ترجمتها إلى العربية: “هييي .. هييي يا بياع العنب خبر أبي وأمي خطفني العرب (البدو) بيتنا بجانب الكنيسة وأخي الشماس عيسى وبقرتنا حمراء سمينة وكلبنا نحيف سلوقي”
فهم البائع المغزى من كلماتها وتعرف عليها، فهرع إلى أهلها ليخبرهم بمكانها وأنها لا تزال على قيد الحياة. ولكن للأسف، عندما وصل أهلها إلى تلك الديار لاسترجاعها، كانت القبيلة قد رحلت إلى مكان آخر. ورغم محاولاتهم، لم يتمكنوا من العثور عليها.
خلّدت تلك الكلمات البسيطة المليئة بالشوق والحنين ذكرى الفتاة، ووصلت القصة إلى الأخوين رحباني، اللذين أعادا صياغة الأغنية التي غنتها فيروز بصوتها الساحر. كلمات الأغنية أصبحت تهويدة ترددها الأمهات لأطفالهن قبل النوم، منها: “يا بياع العنب والعنبية قولوا لأمي وقولوا لبيي خطفوني الغجر من تحت خيمة مجدلية ع التيشتشي التيشنشي والخوخ تحت المشمشمي كل ما هب الهوى لأقطف لريما مشمشي…”
رغم رحيل الفتاة، بقيت أغنيتها خالدة، تنبض بالحياة في ذاكرة الأمهات والأطفال.
وقد وثق الأستاذ جورج رزق الله، المتخصص في اللغة الآرامية من معلولا، تلك القصة في عام 2014 كجزء من مشروع توثيق بصري للتراث