اخبار ساخنة

“اللي داق المغراية بيعرف شو الحكاية”.. قصة غريبة وراء هذا المثل الدمشقي

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

دائماً كان عند النجارين سطل نحاس يحطوا فيه الصمغ العربي ويحطوه على موقد الحطب ويحركوا الصمغ بمغرفة خشب يسمونها (مغراية)، وعلى النار ينصهر الصمغ ويتحول إلى غراء (غري) يستخدم في دبق ولصق قطع الخشب على بعضها..
أما حكاية المثل “اللي داق المغراية بيعرف شو الحكاية” فهي في الواقع حكاية تراثية ظريفة توشير إلى اهتمام المجتمع بالتربية حين كان المجتمع والأسرة ما يزالان هما المسؤولين عن التربية قبل أن يصيبهما الاسترخاء بعد أن تولت هذه المسؤولية تلك المؤسسات الحكومية التعليمية التي استحدثت في العصر الحديث..
تقول هذه الحكاية أن الناس كانوا يأتون بابنهم الصغير إلى ورشة صديقهم النجار ويتفقون معه أن يعلمه الصنعة، فيشترط النجار على الولد أن يكون مطيع ولا يخالف الأوامر وبعدها يتأهل لتعلّم الحرفة..، يبدأ الولد يومه الأول في الورشة من الصباح الباكر حيث يشرح له معلمه الدرس الأول وهو أهمية الطاعة والالتزام، ويؤكد أنه ممنوع أن يعبث أو يمد يده على أي شيء دون إذن..، وبعد ذلك يقضي الولد يومه على هات الشاكوش وجيب هالدفة وروح اعميل شاي، وهكذا.. وخلال هدا الوقت يشعر الولد بالضجر ويبدأ يفترسه الجوع وهو يشم رائحة لذيذة منبعثة من سطل النحاس الذي على الموقد فيعتقد أن معلمه يقوم بتحضير شي طبخه، وطبعاً معلمه يدرك ذلك فيدير له ظهره وينتظر.. يعجز الولد عن مقاومة الرائحة اللذيذة، يتسلل إلى السطل ويمسك بالمغرفة ويرشف رشفه فيلتصق الصمغ المغلي بشفتيه ويبدأ بالصراخ والبكاء.. وطبعاً يكون معلمه بانتظار تلك اللحظة مع العمال الآخرين.. وبدلاً من ملاطفة الولد ومسح دموعه يبدا المعلم بالصراخ عليه وتأنيبه وتهديده بالطرد من الشغل، وهذا يعني أنه سيلقى عقاب شديد من أهله أيضاً ولن يقبله أي معلم في ورشة أخرى..، وبينما المعلم يؤنبه يتجمع الشغيلة الآخرين حول الولد ويقولون له إذا بتتعهد أنك بتسمع الكلام من اليوم ورايح فينا نحاول نحكي مع المعلم ونترجاه يسامحك.. وطبعاً الولد يوافق ويبدي ندمه وهو يغالب دموعه لأنه يعرف العقاب الكبير الذي ينتظره إن لم يسامحه معلمه..، فيتوجه الشغيلة إلى معلمهم لمتابعة التمثيلية حسب التجربة التي مرّ بها معظمهم، ويطلبون من المعلم أن يسامحه لأنه خلص (ذاق المغراية وصار يعرف الحكاية)…
وما زال كثيرون يستخدمون هذا المثل دون أن يعرفوا دلالته ومعناه الحقيقي الذي غاب عن أذهان أغلب الناس بعد أن تردّى مستوى التربية في المدارس وانهارت الكثير من قيمنا الاجتماعية، ولم يعد هناك سوى قلّة من الناس الذين يعرفون أن هذا المثل يقال للتأكيد على أن الحزم في المحاسبة والعقوبة والضرب عند اللزوم هم من أساسيات عملية التربية.. وأن “مَنْ أَمِنَ العِقابْ أَسَاءَ الأَمانة”…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى