اخبار سريعةغير مصنف

هربا من حر الصيف وانقطاع الكهرباء.. أهالي دمشق يفترشون الحدائق!

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

الصيف للسياحة… هذا ما كان يعتقده السوريون في أيام خلت، حيث الأوقات الأجمل للعائلات والأطفال، يقضونها في الرحلات والمتنزهات الممتعة.
عندما تعيش في سوريا في مثل هذه الأيام، تختلف المعادلة، إذ أصبحت (السياحة) آخر الهموم التي قد تشغل بالك، ليس فقط لأنها تحولت إلى ما يشبه عملية فرار مستحيلة من تقنين الماء والكهرباء، بل ومعظم مقومات الحياة الأساسية، وإنما أيضا لعجز معظم السوريين عن ممارسة أي شكل من أشكال السياحة الداخلية أو الخارجية.
مع ازدياد صعوبات الواقع الاقتصادي، وغلاء المعيشة في عموم البلاد التي يكاد الحصار الغربي يخنق آخر أشكال الحياة فيها، جاء الحر الشديد ليدفع سكان العاصمة السورية إلى حيث يستطيعون ممارسة (سياحتهم) الخاصة في أي بقعة خضراء متاحة، هربا من حر منازلهم وظلمتها، ناهيك عن (برودة) جيوبهم التي تعجز عن دفع أيه تكاليف قد تترتب على كل ما يشبه السياحة الحقيقية.

مع موجة الحر الشديدة التي تضرب جميع المحافظات السورية هذه الأيام، تحولت بيوت العاصمة دمشق إلى ما يشبه غرف النوم وفقط، إذ يفضل معظم سكانها افتراش كل مرج أخضر متاح في أحيائها وشوارعها، كل شبر منها بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا يهم إن كانت حديقة أم بقعة خضراء تتوسط أحد الشوارع، أو ساحات أو دوار طرقي، المهم هو “الجمعة الحلوة، والحرارة المعتدلة نسبيا، والإنارة” كما يقول بعض من التقتهم وكالة “سبوتنيك”.
جولة صغيرة على حدائق أحياء دمشق، من “دوار البيطرة”، إلى “المزة”، إلى ساحة “الميسات” وغيرها، سترى القليل القليل من عشب الحدائق، إذ باتت بقيته مزروعة بالزائرين.
الحدائق وجهة مثالية للنزهة
وهي تحاول مساعدة طفلها في ممارسة بعض الألعاب المتاحة في حديقة “الوحدة العربية”، تقول الشابة سميرة لوكالة “سبوتنيك”: “في منزلي بحي “المزة 86″، لا يمكن للحر أن يطاق وخاصة مع الانقطاع شبه المستمر للتيار الكهربائي، متنفسنا الوحيد هو الحديقة، الدخول اليها بشكل مجاني، ويمكنك اصطحاب ما تشاء من مأكولات، كما أنك تستمتع بالكهرباء التي لا تنقطع”.
حديقة “الوحدة العربية” وسط حي “المزة”، تعج بروادها من كافة الفئات العمرية، فهي تحتوي على مقاعد للجلوس وأماكن لـلعب الأطفال، والإضاءة طوال الليل، ومياه الشرب المجانية الباردة، ناهيك عن الجو المعتدل في هذه المنطقة المرتفعة نسبيا من العاصمة دمشق.

وأضافت الشابة ذات الـ29 عاماً: “عندما أكون في الحديقة (تقصد حديقة الوحدة) أنسى هموم انقطاع التيار الكهربائي، في المنزل تدور معظم أحاديثنا عن مواعيد التقنين، وساعات الوصل، ناهيك عن مياه الشرب التي يرتبط غيابها بتوافر التيار الكهربائي غير المتوافر”.
غياب التيار الكهربائي، وتقنين مياه الشرب، وغلاء الأسعار، دفع أهالي دمشق إلى استنباط كل النزهات المجانية، بدءا من أقصى شرق العاصمة، حيث الطريق السريع إلى مطار دمشق الدولي، مرورا بساحة “دوار البيطرة”، إلى ساحة “الميسات” في وسطها، وصولا إلى المزة غربا، ومن خلفها الطرق المؤدية إلى المناطق السياحية، حول الدمشقيون الحدائق إلى ما يشبه المقاهي الشعبية الاعتباطية.

كل منهم يحمل “حصيرته”، وعدة الشاي والمتة والأراكيل، ولا مانع من بعض السندويشات اللازمة لقضاء أطول فترة ممكنة بعيدا عن المنازل.
حديقة مع كهرباء… الوجهة الأفضل
قبل الحرب، لطالما استطاع أفقر سكان العاصمة من اللجوء إلى بساتين غوطة دمشق، يستأجرون المزارع المجهزة بمسابح، لقضاء فترة العطلة، وفي حالات أخرى كانت تكفي منتزهاتها الجميلة.
إلا ان ارتفاع أجور استئجار المزارع، وصعوبات التنقل بين الريف والمدينة تبعا لارتفاع تكاليف الوقود إلى وشحّها، جعلا من هذا الخيار أمرا محفوفا بالكلفة التي لا يمكن تلبيتها في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تلف حياة الغالبية الساحقة من السوريين.
ورغم أن الحدائق ليست بديلا مثاليا، إلا أنها تحظى بتصنيفات تحاكي تصنيفات (النجوم) في المنتجعات والفنادق، إذ أن الحدائق التي تتوافر فيها الكهرباء بشكل دائم ليلاً، هي الوجهة الأكثر تفضيلا من تلك الحدائق الأصغر التي تخضع فيها الكهرباء للتقنين المعتاد، وعلى سبيل المثال، تعج حديقة “تشرين” الأضخم في دمشق لناحية المساحة والغطاء النباتي وألعاب الأطفال، بعشرات الآلاف من الرواد يوميا.

“أصبحت الحدائق فسحة للفقراء”، هكذا يصف رياض العلي ابن السبعين عاماً، حالة الحدائق العامة خلال لقاءنا به على “دوار البيطرة”.
وأضاف العلي: “لم يعد الأهالي قادرين على التوجه الى الكافتيريات ولا دفع مبالغ باهظة مقابل أركيلة ومشروب بارد في المقاهي”، متسائلاً: “من أين سيدفع الفقراء.. الساحات الخضراء أو الحدائق هي المتنفس الوحيد”.
وهو ينفث دخان نرجيلته في حديقة “تشرين”، يتحدث طارق (35 عاماً)، لـ”سبوتنيك”: “نمضي ساعات طويلة ليلاً مصطحبين معنا غازاً منزليا صغيراً لإشغال الفحم وتحضير المشروبات التي نريدها، نفترش العشب، محاولين أن ننسى أننا سنعود إلى منزلنا وهي بلا كهرباء”.

اقتصاد الحدائق
بطبيعة الحال، تدفع الأماكن المزدحمة اقتصادا خاصا بها، فمن وجهة نظر الباعة، يعني وجود ازدحام بشري فرصة أكيدة لبيع سلع محددة من المتطلبات.
“أصبحت الحدائق مقصدا للبائعين أيضا”، يقول خلدون ابن الـ(40 عاماً) لوكالة “سبوتنيك” خلال تواجده في حديقة “الوحدة العربية” في منطقة المزة، مصطحباً معه حافظتي مياه لزوم تحضير المشروبات الساخنة، وبسطة صغيرة من البسكويت مستغلاً الازدحام الحاصل ليبيع أكبر عدداً من الأطفال وذويهم.
وللنرجيلة اقتصادها الخاص أيضا في بيئة نزهات الحدائق، فعلى أطراف الحديقة ذاتها، يقف مجد ورفاقه الثلاثة الذين يديرون عملية تسويق عشرات النراجيل، حيث يقومون بتحضير النرجيلة لطالبيها من رواد الحدائق.
قال مجد: “الجو هنا أجمل من المقاهي، وأكثر راحة، أما بالنسبة للأركيلة، فمن لا يريد إحضارها معه يمكنه الحصول عليها من عندنا بأسعار أرخص بكثير من المقاهي”.
177 حديقة في دمشق مزودة بألعاب الأطفال
يقول مدير الحدائق في محافظة دمشق، المهندس سومر فرفور، لوكالة “سبوتنيك”: “يوجد في مدينة دمشق 177 حديقة مزودة بألعاب الأطفال ومقاعد لجلوس الرواد”.
وأضاف فرفور: “جميع الحدائق مزروعة بالأشجار والأزهار وتشكل غطاء نباتيا جميلا، ويتم إجراء صيانة عامة لكافة ألعاب الأطفال ومقاعد الزوار بشكل دوري”.

ولفت فرفور إلى وجود إقبال من الأهالي على التنزه في الحدائق العامة كونها توفر لهم جلوسا مجانيا، كما يمكنهم اصطحاب ما يحلو لهم من مأكل ومشرب ليتناولوه أثناء وجودهم بالحديقة.
وختم فرفور حديثه بالتمني على “رواد الحدائق بأن يحافظوا على نظافتها وأثاثها لإنها ملك لهم أساسا، ولأنها أصبحت ملجأهم الرئيسي في هذا الحر والظروف الاقتصادية الصعبة”.
سبوتنيك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى