اخبار ساخنة

وضّاح حجّار.. يكشف أسرار تعويذة الزعتر الحلبي

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

رائحتان لا يُمكن تجاهلُهما في حلب: الغار والزعتر، لكن الأخيرة لا تقف عند حدود الأنف، بل إن تذوّقها تعويذة تشبه تلك الأسطورة المرتبطة برمي عُملة معدنية في نافورة “تريفي” في العاصمة الإيطالية روما، إذ تقول الرواية إن من يفعل ذلك يحظَ بزيارة أخرى إلى روما، و”من يتذوّق الزعتر الحلبي، سيرجع مرة أخرى لشرائه بعد أن يُمسي صنفاً ثابتاً على مائدته” كما أخبرني وضّاح حجار (33 عاماً) بعد أن توسط أكواماً من قطع صابون الغار وأكياس الزعتر بأنواعه.
وكعادتنا في دمشق في كل مرّة نقصدُ فيها مدينة أبي فراس الحمداني، نسألُ الأصحاب عمّا يمكن أن نحضره لهم، وكعادة أصدقائنا، تبقى الإجابة ثابتة وواحدة “كيلو زعتر”، ولا يهمّ أن تحدّد هويته، أخضر كان أم أحمر، ما دامت الخلطة الحلبية حاضرة فهذا يعني بالضرورة أنه زعتر فاخر.
يقول لي وضّاح ، إنّها “مهنة السنين المتراكمة، عن أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه”، لكنّه يُفاجئني بأن الزعتر “لا يُزرع في حلب، وإنما تُجلب أعشابه عادة من جبال الساحل السوري، قبل أن يُجفف ويُطحن ويُخلط مع مكوّنات السعادة الخاصة بالمطبخ الحلبي”.
يعمل وضّاح في محل اسمه منسوب إلى عائلتين حلبيبتين عريقتين “حجار وسرميني” في حي الجميلية، يقف متوسطاً كومتين من تلال الزعتر المزهوّ بالألوان، وفي الخلفية، لوحة مصفوفة بمكعبات صابون الغار التي اتكأ بعضها على بعض برفق.
يقول وضّاح “سبب شهرة الزعتر في حلب هي مهارة الذهنية الحلبية في كيفية إعداد الخلطات المتنوعة، التي تغيّرت وتطوّرت عبر الزمن، فتُضاف إلى الزعتر المطحون والسمسم والسمّاق، بهارات عدّة تزكيه وتُغني نكهته”.
ويُضيف “تختلف النكهة بحسب اختلاف نسب المقادير، فمنهم من يزيد الكمّون على حساب نكهة أخرى، ومنهم من يتفنّن في درجات التحميص، والحلبيون مثلاً يفضلون أن تُعادل كمية السمسم كمية الزعتر نفسها”.
وحين يمرّ ذكرُ حلب، لا يسعني إلا التواصل مع الصديق صُهيب عنجريني، الذي أفشى لي بدوره عن تركيبة الزعتر بمقادير “تتضمّن عشرة أنواع من التوابل والبهارات على الأقل”، وفق ما خلُص إليه المطبخ الحلبي الشهير.
وعلى بُعد المسافة بيني وبينه، يُعدّد لي صهيب بعضاً من البهارات المرافقة للزعتر، مثل “كمون، يانسون، كزبرة يابسة مطحونة، شَمرة، سمسم محمص، فول سوداني مطحون أو حمّص مطحون، وزهرة السماق مطحونة (هي التي تضيف صبغة اللون الأحمر القاني) وملح الليمون، والبعض يُضيف فستقاً حلبياً مبشوراً أو جوز الهند المطحون أو الفليفلة الحمراء المطحونة، إضافة لنكهات دبس الرمّان، أو حبّ الرمان المجفّف”.
يؤكّد لي صهيب أن هذه الخلطات هي سرّ الطعم السحري لتعويذة أهل حلب، وجاءت عبر أجيال خلال مئات السنين من الابتكار والتجريب الذي اشتهر به المطبخ الحلبي.
وأقتبسُ أخيراً من صهيب ما كتب سابقاً “نعم، يولد الحلبي، وفي متناوله البهاء كله (..) يتربى على أيدي نسوة مهووسات بالنظافة والتنظيف، ويكاد الحجر يشفّ تحت أيديهن، قبل أن يمضين إلى إعداد الأطايب من قاموس مطبخٍ عزّ نظيره في العالم..
والحلبي، ابن مدينته، ووالدها في آن واحد. لم تنتزع حلب مكانتها بفضل «ثروات باطنية»، أو كنوز دفينة. بل باتكاء على كنز، هو أبناؤها، كل أبنائها. لا يعرف الكثيرون أنّ المدينة لا تحوي كل المكونات الأولية لصابون الغار الذي اقترن اسمه بها، وأن الزعتر لا ينبت بكثافة فيها، بل يُنقل إليها، فتتولى أصابع صنّاع مهرة دمغهما بختم الجودة، وتطوبهما على اسم حلب”.
وجوه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى