الاخبار

تساؤلات بشأن الموقف القطري من سوريا

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

تساؤلات بشأن الموقف القطري من سوريا

عباس جمري

الاستراتيجية الخليجية بشأن سوريا اتضح تغيّرها الدراماتيكي، وبات الخليجيون على خطوة واحدة من إعادة العلاقات كما كانت قبل عام 2011.

ولم يعد هناك مجال للعب على التناقضات وإظهار وجهين، وجه يدعم الإرهابيين وآخر يصافح الدبلوماسية، لا يمكن أن تجري السياسة حالياً بهذين الوجهين، لأسباب عديدة منها أن الموقف السوري الصامد لأكثر من عقد، والذي حرر معظم الأرض السورية قادر على تحييد هذا النمط من السياسة اللامسؤولة، كما أن ورقة الإرهابيين لم تعد مربحة في سوريا بعد دحر أكثر من مئتي ألف منهم.

وعليه، فإن عودة الجمهورية العربية السورية إلى الجامعة العربية لم تكن مستغربة أيضاً، ذلك لأن العرب غير قادرين على مجاراة الفشل الأميركي طويلاً، خصوصاً مع التغيرات الأخيرة في العالم والإقليم.

لكن، ما يلفت هو الموقف القطري الذي أعاد التصريحات التأزيمية من جديد-وإن كان بصيغة أخرى-حين أكد رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، “أن الحل الوحيد لتطبيع العلاقات مع النظام السوري هو إيجاد حل شامل وعادل يرضي الشعب السوري”، وأضاف المسؤول القطري في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 17 أيار/مايو في العاصمة الدوحة أن “المشكلة ليست بين قطر والنظام، وإنما بين النظام وشعب عانى من ويلات الحرب على مدار الأعوام الـ12 الأخيرة” بحسب تعبيره. هذا التصريح يشابه تصريح أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني العام الماضي، وتحديداً في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، في مقابلة مع مجلة “لو بوان” الفرنسية، بالقول: “سبق وقلت إنه يحقّ لكل دولة أن تقيم علاقات مع أي دولة تختارها، لكن جامعة الدول العربية قررت استبعاد سوريا لسبب وجيه، وهذا السبب ما زال موجوداً ولم يتغير”.

وأضاف: “أنا مستعدّ للمشاركة في أي محادثات في حال كانت لدينا عملية سلام حول مستقبل سوريا ومطالب شعبها، لكن ليست هي الحال في هذه اللحظة”. مضيفاً أن مشكلة بشار الأسد مع الشعب السوري.

اللافت أن الأمير القطري عزز موقفه من المشكلة السورية آنذاك بموقف الجامعة العربية، لكن هل تغير موقف الدوحة اليوم رغم تغير موقف الجامعة العربية إن كان الجواب نعم فما السبب، وإن كان الجواب لا فما وراء تلك التصريحات.
التناغم مع تركيا

من الواضح أن التحالف القطري -التركي بعيد المدى أخذ يتعمق سنة بعد أخرى، وهذا التحالف ينسحب على المواقف السياسية أيضاً، في الجهة القطرية، فإن الدولة الخليجية الصغيرة تحتاج هنا إلى المناورة، وإن كان الإيقاع الرسمي للموقف السياسي هو إعادة العلاقات مع سوريا؛ كون الأخيرة فرضت وجودها في المعادلة الإقليمية سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وهذه الأبعاد الثلاثة أنهكت كل من شارك في التآمر على دمشق.

القطريون يعون ذلك، وهم ذاهبون لتبريد الأجواء مع الرئيس السوري بشار الأسد تحديداً، لكن في الوقت ذاته، هم يحتاجون إلى إظهار التناغم ومساحة المشاركة مع الموقف التركي، الذي وإن تقارب مع الجمهورية العربية السورية، فإن ملف الوجود العسكري التركي لا يزال عالقاً ومعقداً، ويحتاج إلى الكثير لكي يصل إلى مرحلة الحل النهائي.

وعليه، لا يبدو أن هناك موقفاً قطرياً مغايراً عن الموقف الخليجي الواضح، لكن للاستهلاك الإعلامي شروطه التي لا بد وأن تأخذ وطرها، وتُشبع نهمها، وتعدل من هندام السياسي وهو ينزل من على شجرته.
قطر والقلق الغربي

القطريون أيضاً يراعون القلق الغربي الواضح في تقارب أي دولة مع الجمهورية العربية السورية، ولقد رأينا في شهر آذار/مارس الماضي كيف تعامل الإعلام الغربي مع الاجتماع الرباعي الذي عقدته روسيا لكل من سوريا وتركيا وإيران، وقالت “رويترز” وقتها عن هذا اللقاء أن “الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا تعمل على خلق قفزة جديدة في ملف الأزمة السورية”.

وأبدى الإعلام البريطاني بالتزامن مع الاجتماع الرباعي إنزعاجه من تطور مسار أستانا، بل وعمل الإعلام الأوروبي والأميركي -ولا يزال- على تشويش الصورة بشأن التفاهم التركي -السوري مستخدماً لغة التحريض من وجود خلاف بين البلدين تارة، ولغة التهويل من خطورة التقارب تارة أخرى.

وهذا الموقف الغربي تأخذه قطر في الاعتبار كونها دولة تضم على أراضيها آلاف الجنود من الأسطول السادس، وتعد قاعدة لعدِيد من أهم القواعد الأميركية في المنطقة، ما يحتّم على القطري المشي على خيط رفيع ماسكاً عصا التوازن بدقة كبيرة، على الأقل في هذه الأشهر العصيبة التي قد تحدد الكثير من الخطوط العامة، سواء للمنطقة أو العالم.

لكن، كل ذلك لن يؤخر الرسائل التطمينية القطرية للجمهورية العربية السورية، والتشديد على الوحدة العربية المشتركة والتلاحم، وبقية الكليشهات العربية المعروفة، إذا ما أرادوا تقوية العلاقات.

لكن سوريا التي صبرت على مُر الإرهاب وعلقم التآمر، لن تسلّم لأي دولة بسهولة، ولن تسامح من دون ثمن سياسي واضح، خصوصاً وأن السوريين يعدّون دولة قطر من أكبر الداعمين للفصائل الإرهابية وقت ذروة الأزمة، وبالتالي نسيان هذا الأمر لا يعد سهلاً.

إن هذه المخاضات العربية أشبه بطرق الحديد وهو في النار، لهذا فالصقل السوري للمواقف الدولية سيكون صقلاً محكماً؛ كونها دفعت ثمناً باهظاً لإجادة هذا النوع من الصقل.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى