منوعات

أحد عجائب الدنيا السبع التي أبهرت العالم.. أين اختفى “تمثال رودس” أضخم التماثيل على وجه الأرض؟

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

أحد عجائب الدنيا السبع التي أبهرت العالم.. أين اختفى “تمثال رودس” أضخم التماثيل على وجه الأرض؟

إن أهم ما يميز الأعمال الفنية والمعمارية، هو الإبداع والدقة والخيال الواسع، لتثمر عن عجائب فريدة من نوعها.

اشتهرت في العالم القديم أعمال تشهد براعة مصمميها ومنفذيها، ألا وهي ما تعرف بعجائب الدنيا السبع التي باتت من أشهر المزارات السياحية حول العالم.

واعتبرت بمثابة إبداع فكري وعقلي نتج عنه منظر بديع تتخطف الأنظار، وقد منحت تلك العجائب المدن الموجودة بها شهرة كبيرة وعدد زيارات لا حصر له من كافة أنحاء العالم.

ومن أحد تلك العجائب القديمة عملاق رودس.. أين اختفى وما قصته؟

لعند زيترتك لتمثال رودس، تنظر إلى أعلى، لتجد المشهد المهيب لذلك التمثال العملاق، هليوس رودس، إله الشمس عند الإغريق، لم ير العالم تمثالًا أكبر منه، و وصلت سمعته إلى كل مكان.

«لقد حمانا هليوس من شر ديمتريوس وجنوده، لذلك بنينا له هذا التمثال العظيم، لنعبر عن امتناننا لحامينا وحامي رودس».

هذا ما كان يقوله لك قبطان المركب، فنحن في عام 280 قبل الميلاد، والعالم لم ير تمثالًا أكبر من هليوس رودس.

فما قصة هذا التمثال المهيب؟ وأين ذهب؟

قبل أن نحكي قصة التمثال، ربما يجب أن نلقي نظرة على الجزيرة التي بني عليها التمثال وعلى تاريخ هذه الجزيرة.

جزيرة رودس موجودة على بعد 18 كم من آسيا الصغرى، وتعد بوابة بين البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، واكتسبت تلك الجزيرة على مدار التاريخ – بفضل موقعها الجغرافي – مكانة تجارية مهمة كونها الرابط بين جزر اليونان وبين شواطئ مصر وآسيا.

وفقًا للأساطير اليونانية فإن هذه الجزيرة قد بناها هليوس إله الشمس عند الإغريق، لتكون مقر حكمه وأسماها على اسم زوجته رودي – أو رودس- ولذلك عبد أهالي الجزيرة هليوس وقدسوه بصفته حامي الجزيرة وراعيها.

بُنيت العاصمة عام 408 ق.م وسميت رودس أيضًا، ومع نهاية القرن الرابع قبل الميلاد كانت قوة تجارية وبحرية كبيرة في المنطقة، واستطاعت أن تكون ثروة كبيرة؛ مما ساعدها على البقاء مستقلة بعيدة عن الصراعات التي كانت تدور حولها.

ودخلت رودس في مسرح العالم القديم السياسي بعد وفاة الإسكندر الأكبر، وكما هو معروف تاريخيًّا فإن الإسكندر لم يترك خلفه وريثًا لإمبراطوريته العملاقة؛ لذلك وزعت هذه الإمبراطورية على قادته عبر سلسلة من الحروب عرفت باسم حروب الخلفاء.

وفي نهاية هذه الحروب ظهرت ثلاث ممالك كبيرة:

1- مصر والتي حكمها بطليموس.

2- الإمبراطورية السلوقية في بلاد فارس وحكمها سلوقس نيكاتور.

3- إقليم آسيا الصغرى الذي حكمته السلالة الأنتيجونية بقيادة أنتيجونوس.

وبين هذه الدول الثلاث، كانت الجزيرة ذاتية الحكم رودس.

على الرغم من أن رودس قررت البقاء على الحياد دون الدخول تحت مظلة أي من هذه القوى الكبرى الثلاث، فإن الجزيرة كونت علاقات مقربة مع حاكم مصر بطليموس الأول.

الأمر الذي أرق مضاجـ.ـع أنتيجونوس، لأنه شعر بأنه إذا تحالف بطليموس مع رودس وأسطولها القوي فإنه لن يستطيع الصمود أمام هذا التحالف؛ لذلك قرر أن يحاول ضم رودس، عن طريق استخدام القوة.

عام 305 ق.م تحرك 40 ألف جندي من جنود أنتيجونوس بقيادة ابنه ديمتريوس الأول باتجاه رودس لمحاصرة الجزيرة وإرغامها على الخضوع.

في المقابل لم يستطع أهالي الجزيرة سوى تكوين جيش من 7 آلاف مقاتل فقط، وقرروا أن يعتمدوا على تحصينات مدينتهم ومحاولة هزيمة الحصار.

استمر حصار ديمتريوس للمدينة فترة طويلة، لكنه لم يكن قادرًا على اختراق التحصينات المنيعة، ولم يكن قادرًا على إيقاف الإمدادات التي كانت تصل للمدينة وتجعلها قادرة على تحمل مدة الحصار الطويلة، وهنا قرر ديمتريوس الاستعانة بالهندسة.

أمر ديمتريوس ببناء مجانيق وأسلحة عملاقة لمحاولة تحطيم أسوار المدينة، أكبرها كان ضبرًا عملاقًا يسمى الهيلوبوليس – وهو برج محصن يستخدم لمواجهة الأسوار العالية أثناء الحصار – هذا البرج الذي لم ير العالم مثله من قبل؛ وصل ارتفاعه إلى 40 مترًا، وكان محصنًا بالحديد حتى لا يحترق، ويحتوي على العديد من المجانيق واحتاج لثلاثة آلاف رجل ليدفعه، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا ليقلب الكفة لصالح ديمتريوس وجنوده، ليستمر الحصار سنة كاملة، حتى وصلت قوات بطليموس؛ مما اضطر ديمتريوس إلى الجنوح للسلم وترك الجزيرة.

رحل ديمتريوس وترك خلفه أسلحة الحصار، وبطبيعتهم التجارية باع أهل رودس الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الهليوبوليس الذي فككوه وباعوه خردة، ليجنوا من خلف هذه الصفقات التجارية ثروة تضاف إلى ثروتهم، وما هي أفضل وسيلة لإنفاق هذه الثروة؟ بالضبط! بناء تمثال عملاق للإله الذي رعى الجزيرة وحماها من جنود ديمتريوس!

كان يجب أن يكون هذا التمثال لا مثيل له، أكبر من كل التماثيل التي شهدها العالم آنذاك، عرفانًا بجميل الإله الذي فضلهم على الأنتيجونيين وحفظهم من شرورهم.

من أجل بناء هذا التمثال العملاق توجه أهل الجزيرة إلى أفضل نحاتيها، وهو رجل يدعى تشارز، من مدينة ليندوس الموجودة على الجزيرة.

كان تشارز تلميذًا من تلامذة ليسبيس، الذي كان من أقرب الفنانين والنحاتين لقلب الإسكندر الأكبر، وقد وقع على تشارز عبء بناء تمثال يليق بآمال الرودسيين وإيمانهم بهليوس؛ لذلك لم تكن عملية البناء سهلة على الإطلاق.

وفقًا للمصادر، فإن عملية البناء استمرت 12 عامًا، صب العمال الأجزاء الخارجية من البرونز، وكانت قاعدة التمثال مصنوعة من الرخام الأبيض، وجرى تثبيت قدم التمثال وكاحله أولًا.

تشييد الهيكل جرى تدريجيًّا، حيث جرت تقوية الشكل البرونزي بإطار من الحديد والحجر، وللوصول إلى الأجزاء العليا، ثم بناء منحدر أرضي حول التمثال.

و وفقًا للفيلسوف اليهودي، فيلون السكندري، فإن تشارز «قام بتكديس كومة ضخمة من التراب حول كل قسم بمجرد اكتماله، وبالتالي دفن العمل المنتهي تحت الأرض المتراكمة والعمل على الجزء التالي»، وقد جرت إزالة المنحدر الترابي لاحقًا.

عندما تم الانتهاء من التمثال العملاق، وصل ارتفاعه إلى حوالي 33 مترًا.

والملفت أنه لا يزال الموقع الدقيق للعملاق غير معروف حتى يومنا هذا، على الرغم من أن الحسابات القديمة تضعه في نقاط مختلفة حول ميناء ماندراكي الموجود على الجزيرة.

ففي البداية اتجه التفكير إلى أن التمثال كان على بوابة ميناء ماندراكي، لكن هذه الفكرة لم تكن معقولة، لأن التمثال في هذه الحالة عند دماره كان سيسد بوابة الميناء بالكامل بناءً على حجمه الكبير؛ لذا تقترح الدراسات الحديثة أن التمثال جرى تشييده إما على الرعن (كتلة مرتفعة من الأرض تنحدر بشكل مفاجئ من جانب واحد فقط) الشرقي لميناء ماندراكي، وإما في اتجاه الداخل أكثر.

المصدر الرئيسي القديم لأبعاد العملاق هو ما كتبه بلينوس الأكبر في القرن الأول الميلادي، أي بعد حوالي 200 عام من بناء التمثال العملاق.

إذ يوضح بلينوس في مجلداته الشعور بالدهشة الذي تسبب في إدراج العملاق في قائمة عجائب الدنيا القديمة.

لكن على الرغم من وصف بلينوس وغيره للتمثال وحجمه، لم يصف أحد شكل التمثال، ولذلك كانت التصورات عن شكل التمثال قائمة على تصورات شاعرية وليست روايات فعلية.

لكن لم يكن مقدرًا للعملاق المهيب أو «الشمس الثانية» الخاصة بشارز أن يستمر لقرون، فقد ضرب الجزيرة زلزال فدمر التمثال ودمر أجزاء من مدينة رودس في 226 أو 225 قبل الميلاد، أي بعد أكثر من نصف قرن بقليل من بنائه.

 

وتتفق معظم المصادر على أنه عندما تحطم التمثال، حدث هذا من عند الركبتين.

وعلى الرغم من أن بطليموس الثالث، حاكم مصر، عرض الأموال واليد العاملة لإعادة بناء التمثال، فإن أهل رودس لم يجرؤوا على فعل ذلك بناء على نصيحة أوراكل، كاهنة ديلفي، بعدم فعل ذلك؛ لذلك تُركت القطع حيث سقطت.

يكشف اهتمام بطليموس بعملاق الشمس الروابط الوثيقة بين رودس ومصر، والرهبة التي كان ينظر بها إلى شخصية هليوس في المنطقة، حتى إن بطليموس الثالث مثل نفسه على أنه هليوس على عملة معدنية، مرتديًا تاجًا يدل على أشعة الشمس.

وقد ظل التمثال على الوضع نفسه وبقيت القطع المكسورة للتمثال العملاق المصنوع من البرونز هناك لما يقرب من 800 عام.

زار العديد من السياح الموقع على مدار السنين، وظل التمثال – على الرغم من وضعه – يثير دهشة كل من يشاهده لأنه يتخيل كيف وقف هذا الصرح العملاق.

لكن بعد ذلك، ومع الفتح الإسلامي للجزيرة عام 654م، اشترى تاجر يهودي من مدينة الرها في أعالي بلاد ما بين النهرين، الحطام البرونزي الخاص بالعملاق لتذويب المعدن وإعادة استخدامه، و وفقًا للمصادر فقد جرى نقله إلى الشرق باستخدام 900 جمل.

وجدير بالذكر أنه في 2015 ظهرت اقتراحات بإعادة بناء التمثال القديم؛ إذ اقترحت مبادرة جماعية من علماء الآثار الأوروبيين الشباب والمهندسين المعماريين والمهندسين المدنيين، بناء نسخة حديثة من التمثال، مع مراعاة معايير القرن الحادي والعشرين.

لا يهدف هذا المشروع إلى إعادة بناء نسخة طبق الأصل من الهيكل البرونزي الذي يبلغ ارتفاعه 33 مترًا، ولكن لإثارة المشاعر نفسها التي شعر بها كل من شاهد التمثال منذ أكثر من 2200 عام.

لذلك، سيكون هذا الإصدار من عملاق هليوس أطول خمس مرات من الأصل.

ومن المقرر أن البناء الجديد سيضم متحفاً ثقافياً وصالة عرض ومكتبة، بالإضافة إلى منارة.

هاشتاغ24

اقرأ ايضاً:“اكتشاف خطير” قابع في “أعمق مكان على وجه الأرض”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى