اخبار ساخنة

من جزيرة صغيرة إلى إمبراطورية “لا تغيب عنها الشمس”.. كيف أصبحت بريطانيا قوة لا تضاهى في القرن الثامن عشر؟

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

عندما ننظر إلى بريطانيا على خريطة العالم، نلاحظ أنها جزيرة صغيرة مقارنة بدول الجوار، ومعزولة ومنزوية إلى حد ما، لكنها رغم ذلك برزت كقوة عالمية لا تضاهى في القرن الثامن عشر، وتمكنت من استعمار بلاد عديدة في مختلف أنحاء العالم، حتى حصلت في نهاية المطاف على لقب “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”، فكيف تمكنت من فعل ذلك؟

صعود الإمبراطورية البريطانية

تبدأ القصة في القرن السادس عشر، عندما خطت بريطانيا خطوتها الأولى نحو بناء إمبراطوريتها الشاسعة وإخضاع بلاد أخرى لسيطرتها عن طريق استعمارها.

ومن بين الدول الأوروبية الأخرى، كانت بريطانيا أول من ساهم في التوسع الأوروبي الذي غير موازين السلطة في العالم ما بين عامي 1700 و1900.

ونستطيع القول إن الاستعمار البريطاني لدول أخرى من ناحية، وتعزيز التجارة من ناحية أخرى ساهما بشكل أساسي في بروزها كقوة عالمية هامة في القرن الثامن عشر، أضف إلى الثورة الصناعية التي غزت البلاد في القرن التاسع عشر.

وخلال هذه الفترة أيضاً كسبت بريطانيا أموالاً هائلة بفضل تجارة الرقيق- فقد تم نقل نصف جميع الأفارقة الذين تم بيعهم كعبيد خلال القرن الثامن عشر على متن سفن بريطانية- الأمر الذي شكَّل دفعة لحركة التجارة البريطانية نحو الأمام.

الإمبراطورية البريطانية\ ويكيميديا

قوة صناعية هي الأولى على العالم

استندت قدرة بريطانيا على إبراز قوتها من خلال أسطول بحري وتجاري هائل إلى حقيقة أنها كانت أيضاً أول دولة صناعية في العالم.

كانت الطفرة التصنيعية الأولية في البلاد متمثلة بتجارة القطن. بحلول عام 1830، شكَّل القطن الخام خُمس واردات بريطانيا الصافية، وشكلت السلع القطنية نصف قيمة صادراتها.

أما المواد التي ساهمت في زيادة النمو التجاري والصناعي في بريطانيا بعد ذلك، فهي الحديد والصلب، وقد حفز هذه الصناعة هوس السكك الحديدية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، فقد فرضت بريطانيا هيمنتها من خلال تمويل وبناء السكك الحديدية في جميع أنحاء العالم.

بحلول عام 1860، كانت بريطانيا تنتج نصف الحديد والصلب في العالم وتولد 40% من التجارة العالمية في السلع المصنعة. تفاخرت بريطانيا بأكبر ناتج قومي إجمالي (GNP) في العالم، على الرغم من وجود تفاوتات هائلة في الثروة.

الإمبراطورية البريطانية\ ويكيميديا

حدود البلاد ساهمت في حمايتها من الجارين اللدودين فرنسا وألمانيا

فضلاً عن القوة التجارية والصناعية التي اكتسبتها بريطانيا في ذلك الوقت وأهلتها بشكل أساسي لإجراء مزيد من التوسعات واستعمار مناطق مختلفة حول العالم، فقد كان موقع بريطانيا الاستراتيجي عاملاً أساسياً ساهم في حمايتها وضمان نموها بعيداً عن مطامع أعدائها.

فقد كانت الميزة الرئيسية للبلاد هي أنها موجودة في موقع آمن نسبياً، فهي جزيرة في عصر كانت لا تزال فيه القوة البحرية للأعداء متواضعة إلى حد كبير، وفقاً لما ورد في موقع HistoryExtra البريطاني.

في حين كانت الدولتان المنافستان لبريطانيا في ذلك الوقت (فرنسا وألمانيا) تشاركان حدوداً برية مع الدول الأخرى الأمر الذي يجعلهما عرضة للمخاطر عكس جارتهما بريطانيا. حتى إن ويليام شكسبير كان قد أطلق على القناة الإنجليزية “الخندق الدفاعي” للبلاد، إذ لم تكن الدول المنافسة على استعداد لشق عباب البحر في سبيل فتح جبهة حربية مع بريطانيا.

مع ذلك يجب أن ننوه إلى أن موقع بريطانيا المعزول لم يضمن لها الحصانة التامة- ففي أعوام 1588 و1804 و 1940 كانت تهديدات الغزو تلوح في الأفق- لكن هذا الموقع حرر بريطانيا من ضرورة وجود جيش دائم كبير في البلاد، وهذه رفاهية لم تكن متاحة أمام الدول الأوروبية الأخرى التي لا تستطيع إرسال القسم الأكبر من جيشها إلى المستعمرات البعيدة وترك حدودها البرية دون حماية.

ففي حين اضطر القادة الفرنسيون على سبيل المثال، ابتداء من لويس الرابع عشر إلى نابليون بونابرت، إلى خوض معاركهم الأساسية على الأرض ضد الأعداء، تمكنت بريطانيا من الاستفادة من جيشها في التوسع حول العالم وبناء إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.

ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا شكلت قوة عسكرية بحرية لا يستهان بها، ولم تكمن أهمية هذه القوة فقط في الدفاع عن البلاد، ولكن أيضاً برزت بسبب حاجة بريطانيا لقوة بحرية تحمي مصالحها التجارية النشطة، خاصةً أنها كانت تعتمد على استيراد المواد الغذائية والمواد الخام.

الإمبراطورية البريطانية\ ويكيميديا

قوة سكانية وعسكرية هائلة بفضل أقاليم ما وراء البحار

في بداية القرن العشرين، كان عدد سكان المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا 42 مليوناً فقط، في حين كان عدد سكان الولايات المتحدة 76 مليوناً، وروسيا القيصرية 133 مليوناً، ولكن عندما تم تضمين سكان أقاليم ما وراء البحار البريطانية، أصبحت الحسابات مختلفة.

في ذروتها، غطت الإمبراطورية البريطانية ما يقرب من ربع سطح الأرض وشملت نسبة مماثلة من سكان العالم أكثر من 500 مليون. في وقت كانت فيه فرنسا تمثل 9 ٪ فقط من سطح الأرض و 108 ملايين من سكانها.

وقد برزت أهمية هذه القوة السكانية خلال الحرب العالمية الثانية، فقد استطاعت المملكة المتحدة حشد 5.9 مليون شخص في القوات المسلحة وكانوا جميعهم من المستعمرات التي احتلتها بريطانيا.

الإمبراطورية البريطانية\ ويكيميديا

لماذا انهارت الإمبراطورية البريطانية؟

كان هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى انهيار الإمبراطورية البريطانية في نهاية المطاف، وكانت أبرزها الحرب العالمية الأولى وزيادة التنافس مع الدول الكبرى الأخرى التي بدأت تزداد قوة، فضلاً عن الثورات التي أنهت الاستعمار البريطاني في العديد من الدول والخسائر الكبيرة التي تكبدتها بريطانيا في الحرب العالمية الثانية.

خلال القرن الثامن عشر، زادت المنافسة على الموارد التجارية بين الدول الأوروبية، خاصةً بريطانيا العظمى وفرنسا، وعلى الرغم من وجود هذه المنافسة فإن بريطانيا استطاعت الحفاظ على قوتها التجارية، خاصة بعد احتلال الهند عام 1858.

لكن في بداية القرن العشرين، بدأت قوة بريطانيا في التراجع بعد أن تعرضت لتحديات متزايدة من قبل العديد من الدول الصناعية الأخرى.

على سبيل المثال كانت البحرية البريطانية هي الأقوى على صعيد العالم، وسيطرت أساطيلها على البحار في الشرق والغرب، لكن ذلك لم يدم إلى الأبد فما لبثت أن صعدت قوى بحرية أخرى مثل البحرية الألمانية التي أزاحت البحرية البريطانية من الصدارة ولم يعد الإنجليز وحدهم ملوك البحار، وهو أمر زاد من التوتر بين الدولتين وكان أحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى. ظهرت كذلك الأساطيل الروسية والأمريكية، الأمر الذي قلص نفوذ البريطانيين بشكل كبير.

مع صعود القوى العالمية الأخرى، وبداية تراجع الهيمنة البريطانية التجارية والصناعية والبحرية، جاءت الحرب العالمية الأولى لتزيد الأوضاع سوءاً.

فقد استنفد الصراع الموارد المالية لبريطانيا وأضعفت الحرب البلاد وزادت من ديونها لواشنطن على وجه الخصوص، وفقاً لما ورد في موقع graphics.

كان من أهم تبعات الحرب العالمية الأولى استقلال أيرلندا عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1922، بعد حرب الاستقلال الأيرلندية والمعاهدة الأنجلو-أيرلندية.

أيرلندا كانت البداية فقط، فقد بدأت الحركات القومية بالظهور بعد ذلك في المستعمرات الآسيوية والإفريقية مطالبة بإنهاء الحكم البريطاني والحصول على الاستقلال.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، زاد ضعف الإمبراطورية البريطانية وأصبحت أقل قدرة على السيطرة على مستعمراتها، فعلى الرغم من الانتصار الذي حققته في الحرب فإنها استنفدت مواردها وأضعفت اقتصادها.

ومع حلول عام 1947 خسرت الإمبراطورية البريطانية درة تاجها، الهند بعد جهود المهاتما غاندي السلمية التي أسفرت عن استقلال الهند ونهاية حقبة الاستعمار البريطاني.

وبحلول الستينيات، أصبحت معظم المستعمرات البريطانية السابقة دولاً مستقلة. ولكن معظمها احتفظ بعلاقاته مع بريطانيا كأعضاء في الكومنولث.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى