اقتصاد

ألمانيا والصين.. فتور في العلاقات بعد 50 عاما من الشراكة العميقة

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

كتبت وزارة الخارجية الألمانية على موقعها على الإنترنت أن يميز العلاقات الألمانية الصينية هو “التنوع والعمق”. وذلك بعد 50 عاما من تبادل وزيرا خارجية البلدين آنذاك الألماني والتر شيل والصيني جي بينغفي وثائق الاعتراف الدبلوماسي في بكين في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1972.
وخلال نصف قرن شهدت العلاقات تنوعا ثقافيا وتجاريا، حيث تنعكس هذه المتانة في الروابط التي تقدمها أكثر من 100 شراكة بين المدن الألمانية والصينية. كما هو الحال في الاتفاقية التي تربط مدينتي دويسبورغ الألمانية و ووهان الصينية، واللتان تختلفان تماما في حجم كل منهما مقارنة بالأخرى، فمدينة دويسبورغ يعيش بها حوالي نصف مليون نسمة بينما تضم مدينة ووهان حوالي 8 ملايين نسمة. وأقامت المدينة الألمانية قسما خاصا مهمته تمتين العلاقات وتسريع وتطوير التواصل بين المدينتين.

حديقة دويسبورغ ليست فخورة فقط بحيوانات الباندا الحمراء التي تلقتها من الصين، بل أنها سعيدة أيضا بالحديقة الصينية التي باتت المدينة تضمها في جنباتها، والتي تحتوي على مسارات مائية، وجسور وتماثيل أسود، هي هدية من مدينة ووهان، التي تربطها بها علاقة توأمة، كذلك تحافظ جامعة دويسبورغ-إيسن على تعاون جامعي مع الشركاء الصينيين.

بالإضافة إلى ما سبق أصبحت دويسبورغ مركزا لطريق الحرير الجديد، إذ يصلها كل أسبوع زهاء 60 قطار شحن قادم من الصين .

في الماضي عندما قدم أول قطار من الشرق الأقصى إلى محطة دويسبورغ في عام 2014، مزينا بأكاليل الزهور. وقف زعيم الدولة والحزب الصيني شي جين بينغ آنذاك على المنصة، برفقة وزير الخارجية الأسبق زيغمار غابرييل، لاستقباله.

توتر متزايد في العلاقات

بيد أنه هذه الصور تمثل الماضي، إذ أن رياح السياسة تتحول وأصبحت أكثر تشددا. فقبل ذلك، كانت مجموعة واسعة من الوفود من كلا الجانبين تتنقل ذهابا وإيابا بين ألمانيا والصين، لكن باتت اللقاءات بين الساسة الألمان والصينيين نادرة. قد يكون لجائحة كورونا دور في ذلك، ولكن هذا ليس السبب الوحيد، إذ أن العلاقات بين الدولتين تشهد تراجعا. وبدلا من التنافس وعناصر الشراكة التي كانت تربط البلدين برز نوع من التنافس المنهجي والتوتر السياسي بشكل متزايد إلى الواجهة.
وتنوعت الأسباب، بيد أنها كانت سببا للتوتر، إذ أن هناك التهديدات التي تطلقها الصينتجاهتايوان، وكذلك اضطهاد أقلية الأويغور ، بالإضافة إلى القمع الهائل للحركة الديمقراطية في هونغ كونغ، وكذلك مسلك بكين العدواني في بحر الصين الجنوبي، كل ذلك كان ساهم في فتور العلاقات السياسية والتعاون بين برلين وبكين.
برلين في حيرة.. بين بكين وواشنطن

السعي الدؤوب للصين إلى مركز قوة جديد في النظام العالمي، والمماحكة بين بكين وواشنطن، باتت تمثل إشكالية لبرلين. إذ أن هذا الصراع ينعكس بالنسبة لألمانيا بأنه بين أهم شريك اقتصادي لها، وبين أقوى حليف لها. يقول الخبير في الشؤون الصينية برنارد بارتش، من معهد مركاتور لدراسات الصين إن “ألمانيا وأوروبا باتت في مشهد سياسي يتضمن تحديد في أي جهة تقف”.

“في سنوات حكم ميركل، حاولت برلين عدم تجاهل الإجابة على هذا السؤال”، وفقا للخبير بارتش، بيد أن الموقف السياسي الحالي بات مختلفا، وأصبح من الصعب على نحو متزايد تجنب الإجابة على هذا الأمر. ويوضح الخبير: “بالرغم من التباين بين الصين والولايات المتحدة، فإن الواقع يبين أننا أقرب إلى الولايات المتحدة منها إلى الصين. ومع ذلك، لا نريد أن نضيع الفرص التي تتيحها العلاقة مع الصين”.
تسييس متزايد للاقتصاد

عل كل حال، أصبح من الواضح أن برلين تنأى بنفسها عن الصين. وقد أعلن روبرت هابيك، وزير الاقتصاد ونائب المستشار، بالفعل عن “سياسة تجارية أكثر صرامة تجاه الصين. في نهاية مؤتمر مجموعة السبع لوزراء التجارة في منتصف سبتمبر/ أيلول، قال هابيك: “لقد انتهت السذاجة السياسة تجاه الصين”.

وفي نهاية مايو/ أيار، رفض هابيك بالفعل ضمانات مجموعة فولكس فاجن للاستثمار في الصين. وهو ما مثل صدمة للاقتصادين. فعلى مدى عقود، كانت العلاقات التجارية مع الصين تسير بسلاسة بفضل ضمانات الاستثمار والتصدير، خاصة أن العلاقات الألمانية الصينية ميزتها بصفة خاصة العلاقات الاقتصادية المزدهرة لعقود سابقة.

وكان رؤساء الحكومات الألمانية يرافقون بانتظام وفود تجارية كبيرة في رحلاتهم إلى الصين. ويتم الاحتفال بتوقيع مشاريع تعاون جديدة بشكل متواصل. هناك حاليا 5000 شركة ألمانية تنشط في الصين. لقد استثمروا حوالي 90 مليار يورو هناك.

في المشهد الحالي بات المزاج السياسي أكثر تكدرا. وفي ورقة موقف قدمت في منتصف سبتمبر/ أيلول، اشتكت غرفة التجارة الأوروبية في الصين من أن الاقتصاد أصبح مسيسا على نحو متزايد، “ففي حين أن الصين شكلت العولمة ذات يوم، فإنها باتت تعتبر الآن أقل قابلية للتنبؤ بها وأقل موثوقية وأقل كفاءة”، كما جاء في ورقة الغرفة.

اتساع الفجوة و “الاغتراب السياسي”

رئيس الغرفة يورغ فوتكه يأسف في حديث لـ DW أن “الأوروبيين والصينيين بالكاد يستطيعون تبادل الأفكار بعد الآن. بالكاد يطير أي من كبار الشخصيات الصينية إلى أوروبا حاليا. كان ذلك دائما مهما بشكل لا يصدق للتقارب”، وعلى العكس من ذلك، ينجذب عدد أقل وأقل من الطلاب الألمان إلى الصين، و”هذا يعني أننا نبتعد عن بعضنا”، بحسب فوتكه.

وبصفته عضوا في المجموعة البرلمانية الألمانية الصينية، تمكن عضو البرلمان عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي داغمار شميت من مراقبة هذا “الاغتراب السياسي” عن قرب. ويوضح “عندما أصبحت رئيسا لمجلس الإدارة في عام 2014، كان لا يزال لدينا تبادلا حيويا للغاية. لقد استقبلنا عددا كبيرا من الوفود من الصين، وعرضنا إجراء محادثات، وأجرينا مناقشات. كان ذلك دائما مثمرا للغاية”، يتذكر شميت في مقابلة مع DW، ولكن بعد ذلك أصبحت اللقاءات أكثر ندرة، ومملة. “لم تعد هناك حرية تعبير، بيد انهم استمروا في التواصل، ومع تفشي الوباء، تدهورت العلاقات التجارية والتبادل الاقتصادي بشكل متزايد. وباتت مؤتمرات الفيديو لا تقدم نفس أجواء التقارب السابقة.

صحيح أن أوروبا والصين تقفان بالفعل على طرفي نقيض من قارة مشتركة (أوراسيا) ومع ذلك، ففي الذكرى الـ 50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، يبدو كما لو أن البلدين يبتعدان عن بعضهما بشكل متسارع.

ماتياس فون هين/ ع.أ.ج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى