توجس في سورية من فرض اللباس الشرعي والحد من الحريات

أصدر مدير أوقاف دمشق تعميماً طالب فيه خطباء المساجد بالتركيز في خطبهم على ضرورة التزام اللباس المحتشم في الأماكن العامة، احتراماً للآداب العامة وحرمة الطريق.
هذا التوجيه، الذي جاء في وقتٍ تشهد فيه العاصمة دمشق انفتاحاً كبيراً من حيث أنماط الحياة والحريات الشخصية، قوبل بانتقادات لاذعة من قبل العديد من السوريين، الذين اعتبروه تدخلاً في الحريات الشخصية، خاصة أن العاصمة، كما مناطق الساحل، معروفة تاريخياً بتنوعها الثقافي والاجتماعي وانفتاحها النسبي حتى خلال سنوات النزاع.
هل تُفرض الوصاية الدينية على السوريين؟
يرى بعض المراقبين أن هذا القرار ليس سوى خطوة ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى فرض نمط ديني محافظ على المجتمع السوري، تحت مسمى “الاحتشام”، وهو ما يعتبره كثيرون تهديداً للتنوع المجتمعي ومحاولة لـ”أسلمة الدولة” من خلال فرض أطر دينية متشددة لا تمثل حتى غالبية المسلمين في البلاد.
كما يُخشى أن يؤدي هذا التوجه إلى مزيد من التضييق على الحريات، وإحداث فجوة بين السلطة والمجتمع، خصوصاً في مناطق كانت تعيش تحولات مدنية عميقة في السنوات الأخيرة، وتطمح لبناء دولة مدنية تعددية.
تجارب مقلقة على الأرض
عدد من المواطنين تحدثوا عن تعرضهم لمضايقات لفظية وجسدية في الشوارع من قبل أفراد مجهولين، يُعتقد أنهم مرتبطون بجهات دينية متشددة.
إحدى الشابات من حمص، تنتمي للطائفة المرشدية، روت أنها سمعت تهديدات مباشرة بإجبار النساء على ارتداء الحجاب بالقوة. وأعربت عن خوفها من أن تتعرض الأقليات لانتهاكات متكررة بدعوى “التقويم الأخلاقي”.
انقسام مجتمعي واضح
في المقابل، عبّر بعض المؤيدين لهذه الخطوة عن اعتقادهم بأنها ضرورية للحفاظ على هوية المجتمع السوري وصورته “المحتشمة”، معتبرين أن بعض المظاهر السائدة في الشوارع باتت تتجاوز الحدود المقبولة، وتُفقد المرأة السورية هيبتها ووقارها، حسب تعبيرهم.
غير أن باحثين ومؤرخين أكدوا أن دمشق في خمسينيات القرن الماضي كانت أكثر انفتاحاً مما هي عليه اليوم، وكانت النساء جزءاً فاعلاً في المشهد الثقافي والاجتماعي، دون فرض أي قيود دينية على لباسهن.
حملة تضييق أم ابتزاز اقتصادي؟
تقرير نشرته “يورو نيوز” سلط الضوء على حملات متصاعدة تستهدف المطاعم والمقاهي، خاصة في أحياء باب توما وباب شرقي ذات الغالبية المسيحية. ووفق التقرير، فإن ما يجري ليس بدوافع دينية فحسب، بل يدخل ضمن محاولات لترهيب وابتزاز أصحاب المنشآت لبيعها قسراً لتجار من خارج المنطقة.
من القيم إلى “شرطة الأخلاق”؟
في ظل هذه الأجواء، يتساءل كثير من السوريين عن مستقبل الحريات في بلادهم، خاصة مع تداول أنباء عن توقيف مواطنين بسبب لباسهم أو علاقاتهم الشخصية، مثل حادثة الناشط عبد الرحمن كحيل، الذي تعرض للضرب والتوقيف لمجرد تواجده مع خطيبته دون إثبات رسمي للعلاقة.
الفراغ القانوني واستغلال السلطة
المحامي زياد البر أكد أن قانون العقوبات السوري يتضمن مواد غامضة تعاقب على “الأفعال المنافية للآداب”، لكنه لا يحدد ما هو اللباس المقبول أو المرفوض، مما يترك مجالاً واسعاً لتفسير السلطات، وهو ما قد يُستغل لتقييد الحريات الشخصية بغطاء قانوني هش.
اندبندت عربية