مفتاح الانتعاش : خطوة واحدة قد تُغير مستقبل الاقتصاد السوري

تسعى سورية اليوم لإعادة بناء اقتصادها الذي تعرض للدمار جراء سنوات الحرب الطويلة، حيث تحطمت معظم البنى التحتية الاقتصادية، بما في ذلك آبار النفط والغاز، الطرق، شبكات الكهرباء، والأراضي الزراعية. ومع انهيار قيمة الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، واستنفاد احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية، تجد البلاد نفسها في موقف صعب للغاية.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، يسعى قادة سورية الجدد إلى إحياء الاقتصاد وتحقيق الشراكات الدولية، إلا أن هذا المسار لن يكون سهلاً.
وفقًا لتقرير نشرته “نيويورك تايمز”، يرى الخبراء أن الخطوة الأهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري تتطلب رفع العقوبات الأمريكية، التي تسببت في عزل سورية عن الأسواق والتجارة العالمية.
بدون هذه الخطوة، ستظل جهود إعادة الإعمار بطيئة ومؤلمة للشعب السوري.
فرضت الولايات المتحدة عام 2019 قيوداً اقتصادية عقابية ضد النظام السابق، إلا أن هذه العقوبات تُعطل الآن وصول الأموال الضرورية لإعادة الإعمار والتنمية. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع العائلات والمنظمات الإغاثية إرسال مساعدات إلى سورية، كما تُعوق العقوبات عمل المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن النظام المصرفي السوري بحاجة ماسة إلى رفع العقوبات لاستعادة قدرته على العمل بكفاءة.
وتشير التقارير إلى أن للولايات المتحدة أوراقًا اقتصادية تستطيع استخدامها في سورية، خاصة في شمال شرقي البلاد حيث تقع معظم حقول النفط المتبقية التي تسيطر عليها جماعات مدعومة من واشنطن.
وفقاً لديفيد غولدوين، المسؤول السابق في مجال الطاقة بإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، يجب على الحكومة السورية الجديدة إثبات سيطرتها على هذه الموارد لتتمكن من بيعها وضمان أمن منشآتها.
أما الدكتور سمير عيطة، الخبير الاقتصادي السوري، فيرى أن النظام الاقتصادي السوري برمته يعاني من خلل، مؤكدًا أن رفع العقوبات أو حتى منح إعفاءات مؤقتة هو أولوية حالية لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد.
أمريكا تُفكر في خياراتها
وفيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية، أشارت تقارير نُشرت في “وول ستريت جورنال” إلى أن قادة سورية الجدد يسعون لإقناع الدول الغربية بضرورة رفع العقوبات، لكن الغرب ما زال مترددًا في التعامل مع القيادة الجديدة في سورية، خاصة أن بعض هذه الشخصيات كانت ترتبط سابقًا بجماعات متطرفة قبل أن تنفصل عنها.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله إن الولايات المتحدة تدرس إمكانية تخفيف بعض العقوبات بشكل مؤقت لتسهيل إيصال المساعدات لسورية. بدورها، قالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، خلال لقائها بالحكومة السورية الجديدة في ديسمبر 2024، إن بلادها قد تقدم بعض الدعم المبكر لتعافي سورية، لكنها تجنبت الحديث المباشر عن رفع العقوبات.
تداعيات قانون “قيصر”
يرى الدكتور عارف دليلة، أستاذ الاقتصاد السياسي السابق بجامعة دمشق، أن العقوبات الأمريكية، ولا سيما قانون “قيصر” الذي فرض عام 2019، تركت تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد السوري. ورغم أن القانون كان يهدف إلى “حماية الشعب السوري ومعاقبة المسؤولين الفاسدين”، إلا أن تطبيقه أدى إلى معاناة كبيرة للشعب والبنية التحتية، دون أن تؤثر هذه العقوبات بشكل فعلي على المتسببين الأساسيين في الأزمة.
رؤية اقتصادية جديدة
في مداخلة له ضمن برنامج “Business مع لبنى” على “سكاي نيوز عربية”، أكد المستشار الاقتصادي أسامة القاضي أن سورية بحاجة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذ اقتصادها.
وأشار إلى ضرورة إعادة هيكلة البنك المركزي ورفع العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى استعادة السيطرة على الموارد النفطية التي يمكن أن توفر إيرادات فورية للبلاد.
كما شدد على أهمية التعديلات القانونية التي تجذب الاستثمارات في القطاع العقاري، داعيًا إلى خطة تنموية متوازنة تشمل التعليم، التصنيع، والتكنولوجيا.
من جانبه، قال الدكتور شاهر الشاهر، أستاذ الدراسات الدولية، في مداخلة على نفس البرنامج، إن سورية بحاجة ماسة إلى استقرار أمني لجذب الاستثمارات الضرورية، مؤكدًا أن الخطوات الحالية للحكومة المؤقتة تسير في الاتجاه الصحيح، لكن التحديات الاقتصادية تظل كبيرة، وتتطلب رؤية اقتصادية مخططة بعناية لضمان مستقبل أفضل لسورية.
المشهد