“الثلاثاء الأسود”.. ما هي الأهداف وما هو سر التوقيت؟
وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com
التفجيرات التي وقعت في ما عُرف بـ”الثلاثاء الأسود” في عدد من المناطق اللبنانية واستهدفت العديد من المقاومين الحاملين لجهاز النداء الآلي “بيجر”، تعتبر حدثًا غير مسبوق من حيث حجم العملية ونوعيتها التخريبية. تأتي هذه التفجيرات ضمن سياق “حروب الظل” التي تشنها إسرائيل ضد دول المنطقة بهدف إضعاف قدراتها في مواجهة مشاريع الاحتلال، لكن تنفيذ التفجيرات في مناطق مأهولة وبأعداد كبيرة يعكس طابعًا إرهابيًا خالصًا يشابه الهجمات الجماعية التي شهدتها بعض الدول.
نظرًا لاتساع نطاق التفجيرات، فإن التحكم الكامل في الأهداف يصبح شبه مستحيل، مما يعرض المدنيين للخطر لمجرد تواجدهم قرب هذه الأجهزة. وهذا بالفعل ما حدث لبعض عائلات المقاومين. ولو أن مثل هذه التفجيرات وقعت في إسرائيل أو دول غربية، لكانت قد وُصفت بالإرهاب وتلقت إدانات دولية واسعة، لكن ما يُعتبر جريمة في مكان ما، يُحتفى به كبطولة في إسرائيل.
حجم الإصابات الكبير يعكس مدى التحدي الأمني الذي تفرضه هذه الحادثة في المستقبل. وفي انتظار نتائج التحقيقات، تم طرح فرضيتين رئيسيتين حول سبب التفجيرات: الأولى تتعلق بتسخين مفتعل لجهاز “البيجر” مما يؤدي إلى انفجار بطارية الليثيوم، والثانية تتحدث عن زرع كمية صغيرة من المتفجرات داخل الجهاز خلال مراحل تصنيعه أو نقله. ومع أن انفجار بطاريات الليثيوم نادرًا ما يسبب إصابات قاتلة، فإن الميل الحالي يرجح الفرضية الثانية التي تدعمها تجارب سابقة.
من المعروف أن جهاز “الموساد” الإسرائيلي له تأثير في السوق الدولية للسلع، وخاصة الأجهزة الإلكترونية، حيث يستخدم ضباطه شركات تعمل على توريد هذه المنتجات لتعديلها أو تفخيخها. حدث سابق في إيران عام 2010 يُظهر هذا الأسلوب، عندما تسبب الموساد في تدمير أجهزة طرد مركزي في منشأة نطنز النووية من خلال التلاعب بها. وفي العام الماضي، كشفت وزارة الدفاع الإيرانية عن مخطط لتخريب عجلة الإنتاج الصاروخي بنفس الطريقة.
هذه التفجيرات تدعو إلى ضرورة فحص جميع المواد المستوردة التي تدخل في التصنيع العسكري والمجهود الحربي، لتجنب أي ثغرات قد تستغلها إسرائيل في حال اندلاع حرب شاملة. وفقًا لموقع “المونيتور” الأمريكي، استورد الحزب شحنة من أجهزة “البيجر” من إحدى دول شرق آسيا، لكن تم تفخيخها قبل تسليمها. وعندما اكتشف الحزب هذا الاختراق، قررت إسرائيل تفجير الأجهزة على الفور، رغم أن خطتها الأصلية كانت تستهدف استخدامها في وقت الحرب.
الأهداف الرئيسية لهذه التفجيرات تشمل نشر الرعب وضرب الروح المعنوية للمقاومة والشعب اللبناني، وتحييد أكبر عدد من المقاومين المشاركين في معركة نصرة فلسطين، إضافة إلى اختراق شبكة الاتصال الآمنة التي تعتمد عليها المقاومة. هذه العمليات تشير إلى أن العدو الإسرائيلي يسعى لإيصال رسالة للمقاومة بأن أمنها مكشوف، لكن تبقى هناك معركة خفية بين أجهزة المقاومة وأجهزة العدو، تتفوق فيها المقاومة أحيانًا والعكس صحيح.
إذا ثبت أن أجهزة “البيجر” المفخخة كانت وسيلة للتنصت على تحركات المقاومين، فإن تفجيرها قد يكون أداة لفهم كيفية استهداف هؤلاء المقاومين في الأشهر الأخيرة. يأتي هذا الحدث بعد تقارير أشارت إلى محاولة حزب الله اغتيال شخصية أمنية إسرائيلية بارزة باستخدام جهاز يحتوي على هاتف محمول وكاميرا.
على الرغم من شدة هذه التفجيرات، إلا أنها قد تكون إشارة إلى أن إسرائيل ليست في وضع القوة الكاملة كما قد يُعتقد. فقد تحدث قادة العدو عن استعدادات لتوسيع العمليات ضد لبنان، لكن التفجيرات لم تُستغل للبدء في هجوم واسع، وهو ما يشير إلى أن العدو يدرك أن هذه العمليات لن تُضعف المقاومة بالكامل.
في النهاية، ستظل تفجيرات “الثلاثاء الأسود” نقطة تحول مهمة في الذاكرة الوطنية، ولكنها أيضًا فرصة لتكثيف الجهود الأمنية ورفع مستوى الجهوزية للرد على أي محاولات صهيونية مستقبلية.