الاخبار

مفاوضات صعبة في «أستانا»: دمشق تضغط بالميدان

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

علاء حلبي
لا يبدو التحرك العسكري السوري على الجبهات الشمالية بالتزامن مع عقد النسخة العشرين من لقاءات «أستانا» للحل في سوريا، حدثاً مفاجئاً في سياق الحرب السورية التي ظلّ التصعيد الميداني فيها مقروناً بالتحركات السياسية. غير أن الجديد يتمثل في اقتران التحركات الميدانية بلقاءات «الرباعية» على مستوى معاوني وزراء الخارجية لبحث خريطة طريق روسية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، على خط موازٍ لـ«أستانا»

ثلاثة ملفات رئيسة يجري بحثها في العاصمة الكازاخية، أولها العملية السياسية في سوريا ومحاولة الوصول إلى أرضية مشتركة بين الحكومة السورية والمعارضة قد تعيد تنشيط مسار «اللجنة الدستورية» المُعطّل. وثانياً، تبرز خريطة الطريق الروسية لفتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، أمّا الملف الثالث فيتناول مسألة الوجود الأميركي العسكري المعرقل في سوريا، سواء بسبب تحكّم واشنطن بمنابع النفط السورية، أو باستمرار منعها الأكراد من الانخراط في عملية سياسية مع دمشق، بحسب نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي حمّل واشنطن مسؤولية فشل الوصول إلى توافق بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد). وإذ أشار بوغدانوف إلى أن الولايات المتحدة تدعم «الإدارة الذاتية الكردية» التي تعارض وحدة الأراضي السورية، أعاد التذكير بموقف بلاده الساعي لحل «المسألة الكردية» عبر الحوار، وهي مساعٍ مُنِيت بالفشل طيلة السنوات الماضية بسبب عدم سماح الولايات المتحدة للأكراد بالانخراط في حوار مع دمشق، وفق تعبيره. وسبق تصريحات بوغدانوف تذكير كردي، عبر وسائل إعلام مقرّبة من حكومة «كردستان ـــ العراق»، بأنّ الحوار بين «قسد» ودمشق سقط، وأن روسيا لم تعُد تلعب دور وساطة في هذا الشأن.

وتزامن ذلك مع تحركات عسكرية للجيش السوري على جبهات عديدة في الشمال، من بينها ريف حلب الشمالي، إحدى أبرز النقاط الخلافية بين دمشق وأنقرة، حيث تحاول تركيا استثمار وجود الأكراد في منبج وتل رفعت لقضم مناطق جديدة، في وقت تعلن فيه الحكومة السورية استعدادها للسيطرة على المنطقتين وسحب الذريعة التركية لاجتياحهما، على أن تتم هذه الخطوة بشكل متوازٍ مع فتح طريق حلب – اللاذقية المغلق، تبعاً لاتفاقية سوتشي الموقّعة بين روسيا وتركيا وملحقاتها.
وقبيل عقد اللقاء على مستوى الرباعية، أعاد رئيس الوفد السوري، معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، تأكيد موقف دمشق المستعد للانخراط في تعاون مع أنقرة، بشرط أن يفضي هذا التعاون بمحصّلته إلى خروج القوات التركية وفق جدول زمني محدد. وفي المقابل، تستمر أنقرة في مراوغتها، تارة عبر الحديث عن استعدادها للانسحاب، وتارة أخرى عبر ربط وجودها العسكري بما تسميه «مخاطر أمنية»، في إشارة إلى الأكراد. ومن هنا، تفسّر التعقيدات التي يواجهها الوسيطان الروسي والإيراني ضمن إطار «الرباعية»، وهي نقطة أشار إليها المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الذي أشار خلال مؤتمر صحافي إلى أن «الطريق طويل»، داعياً إلى «عدم وضع توقعات عالية للغاية»، وفق تعبيره.
رجّحت مصادر إمكانية نقل مقر الاجتماع إلى مدينة عربية، ويدور الحديث حول مسقط وعمّان.

في الوقت نفسه، يخوض المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، جولة «حاسمة» لإعادة تنشيط مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد، ولا سيّما في سياق التوافق على نقل مقر الاجتماع من جنيف، التي ترفض دمشق استكمال اللقاءات فيها على خلفية موقف سويسرا من الحرب في أوكرانيا، إلى مدينة أخرى. وفي الإطار، أفادت مصادر سورية معارضة، «الأخبار»، بأن الوفد المعارض إلى أستانا، الذي يقوده أحمد طعمة، ناقش إمكانية النقل، ورجّح أن تحتضنه مدينة عربية، مشيراً إلى أن الحديث في الوقت الحالي يدور حول مسقط وعمّان ومدينة ثالثة. وبالإضافة إلى ذلك، يحاول بيدرسون استثمار «أستانا» في مناقشة ملفات أخرى، من بينها ملف المفقودين والمعتقلين، وملف اللاجئين السوريين، الذي تسعى موسكو إلى سحبه من طاولة المفاوضات السياسية، وتنظيم عمل جماعي حوله يشارك فيه الأردن ولبنان، وفي وقت لاحق تركيا. ووفق بوغدانوف، يتطلّب هذا الملف توفر شرطين أساسيين: القضاء على الوجود الإرهابي واستعادة الاقتصاد والبنية التحتية في المدن والقرى، في إشارة إلى مشاريع التعافي المبكر وعمليات إعادة الإعمار التي تحاول واشنطن عرقلتها.
ميدانياً، تتابع تركيا تصعيدها العسكري ضد «قسد» عن طريق استهداف قادتها وكوادرها بالطائرات المسيرة والمدفعية، إذ أعلنت «الإدارة الذاتية» الكردية مقتل «الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي»، يسرى درويش، و«نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعة القامشلي»، ليمان شويش، وسائقهما فرات توما، بالإضافة إلى إصابة «الرئيس المشترك لمجلس مقاطعة القامشلي»، كابي شمعون، جراء استهداف سيارة كانت تقلهم على طريق القامشلي – القحطانية، ظهر أمس. في المقابل، كثّفت الطائرات الروسية غاراتها على مواقع يتحصّن فيها مسلحون تابعون لـ«هيئة تحرير الشام» في ريف إدلب الجنوبي، بمحاذاة طريق حلب اللاذقية (M4). ويعيد التصعيد العسكري إلى الأذهان أجواء مشابهة عاشتها سوريا عام 2020، عندما أعاد الجيش السوري السيطرة على طريق حلب – دمشق (M5) بالقوة. وبينما قوبلت العملية العسكرية السورية حينها برفض تركي وصل إلى حد مواجهات مباشرة بين الجيشين، يُعتبر الموقف التركي في الوقت الحالي أكثر مرونة، خصوصاً أن فتح طريق حلب – اللاذقية يُعتبر أحد بنود مبادرة أنقرة، ما يجعل التحرك العسكري السوري مرتبطاً بمدى نجاح تركيا في الوفاء بعهودها السابقة، وبخريطة الطريق الروسية ومدى توافق «الرباعية».

وبالرغم من تعقيدات المشهدين السياسي والميداني، وحديث موسكو عن «طريق طويل» للمفاوضات بين أنقرة ودمشق، يمثل اللقاء الرباعي في أستانا خطوة أولى هامة، من المتوقّع أن تتبعها خطوات عديدة تؤدي بمحصّلتها إلى تغيير طبيعة العلاقة السورية – التركية. وتعزّز تلك التوقعات انفراجات سياسية عديدة في الملف السوري، آخرها عودة دمشق إلى مقعدها المجمّد في «الجامعة العربية»، وعودة العلاقات السورية – السعودية، وإطلاق مبادرة عربية تتكامل مع «مسار أستانا»، غير أن هذه الجهود لا تزال تقابل بمحاولات أميركية – أوروبية لعرقلتها، ما يفسّر بطء تحركها.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى