الاخبار

أهمية الجولان بالنسبة إلى الأمن القومي السوري

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

جمال واكيم
على مدى 6 عقود، شكل الجولان محوراً رئيسياً للصراع بين الجمهورية العربية السورية والكيان الصهيوني. وقد درج القادة السوريون على تأكيد حق سوريا في تحرير الجولان من الاحتلال الصهيوني الذي فرض نتيجة الهزيمة في حرب حزيران 1967.

وقد تمحورت السياسة السورية على استعادة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، أي ضمان الوصول إلى مياه بحيرة طبريا، وهو ما رفضه ويرفضه الصهاينة. أما السبب الذي يدعو القيادة السورية إلى تحرير الجولان، فهو يكمن في ارتباطه بالأمن القومي السوري، وخصوصاً فيما يخص ضمان الأمن والاستقرار في جنوب سوريا.

مفهوم الأمن القومي
مفهوم الأمن القومي هو مفهوم حديث وواسع، ولم يكتسب تعريفاً له إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو مفهوم يشمل التدابير والاستراتيجيات التي تتخذها الدولة القومية لضمان سلامة ورفاهية مواطنيها وأراضيها وسيادتها من التهديدات الداخلية والخارجية. هذا المفهوم ليس ثابتاً، بل هو ديناميكي يتطور بمرور الوقت، استجابة للتحديات الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية المتغيرة التي تواجه الدول المختلفة.

ويرى هانز مورغنثاو في كتابه “السياسة بين الأمم” أن الأمن القومي هو شرط الدولة عندما تكون لديها القوة الكافية لمقاومة أي تهديد لأمنها، سواء كان داخلياً أو خارجياً. أما نيكولاس سبيكمان، فيرى في كتابه “جغرافيا السلام” أن الأمن القومي لا يقتصر على حماية الأراضي الوطنية، بل يرتبط أيضاً بتأمين الوصول إلى الموارد والأسواق والحلفاء في الخارج.

أما الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، فيعتبر أن الأمن القومي لا يرتبط بشن الحرب، بل بمنع حصولها. ويعرف مايكل والزر في كتابه “الحروب العادلة والظالمة” أن الأمن القومي يعني تحقيق التوازن بين مصالح الدولة وحقوق مواطنيها، ويرى روبرت جيلبين في كتابه “الحرب والتغيير في السياسة العالمية” أن الأمن القومي ينطوي على سلطة التأثير في الدول الأخرى مع حماية نفسه أيضاً من تأثير الآخرين، ويشدد هنري كيسنجر على أن الأمن القومي يستند إلى القدرة على الحفاظ على الرفاه المادي والاقتصادي والاجتماعي للأمة من التهديدات الداخلية والخارجية.

ويقول الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب: “الأمن القومي هو أساس بقائنا كدولة ذات سيادة وصون مبادئنا الديمقراطية”. أما زبيغنيو بريجنسكي، فيرى أن الأمن القومي لا يمكن أن يتحقق بالقوة العسكرية فحسب، بل يتطلب أيضاً مقاربة شاملة تتضمن عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية.

ويشير جوزيف ناي في كتابه “القوة الناعمة وسبل النجاح في السياسة العالمية” إلى أن الأمن القومي ليس لعبة محصلتها صفر، بل إنه يتطلب التعاون والتعاون بين الدول لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة. أما الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فيقول: “الأمن القومي اليوم يعني أكثر من مجرد حماية الحدود الوطنية للولايات المتحدة، فهو يعني أيضاً حماية الشعب الأميركي والنمط الأميركي للعيش”.

هذا غيض من فيض التعريفات التي أطلقها منظرون وقادة، والتي تقدم تعريفاً متكاملاً لمفهوم الأمن القومي. وقد درجت الدول منذ ثمانينيات القرن الماضي على إصدار سياسات واستراتيجيات تحدد النهج المتبع لحماية أمنها القومي، وكانت الولايات المتحدة أول هذه الدول حين أصدرت استراتيجية الأمن القومي للمرة الأولى في العام 1987.

وقد درجت على تحديثها دورياً حتى العام 2017، حين أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ركائز الأمن القومي الأميركي التي تستند إلى 4 مبادئ هي: حماية الوطن، وتعزيز الرخاء الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز النفوذ الأميركي.

وعام 2008، نشرت بريطانيا استراتيجيتها للأمن القومي التي تقوم على معالجة التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية ومكافحة الإرهاب والحد من مخاطر الصراع وتعزيز التنمية المستدامة وتقوية المعايير والقواعد العالمية.

وعام 2015، نشرت الصين استراتيجيتها للأمن القومي، التي حددت 5 أسس رئيسية يجب أن تحافظ عليها، وهي مرتبطة بالسيادة والأمن والتنمية وبمصالح المواطنين الصينيين في الخارج والسلام والتنمية العالميين. وقد أكدت الاستراتيجية الصينية أهمية التنمية الاقتصادية والابتكار والتعاون الدولي.

أما الهند، فقد نشرت استراتيجيتها للأمن القومي للمرة الأولى عام 2018، وأكدت أنَّه يستند إلى حماية سيادة الأمة وسلامة أراضيها ووحدتها. وقد حددت 7 ركائز لهذه الاستراتيجية، هي ركائز سياسية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية وأمنية واستخباراتية وسيبرانية.

أسس الأمن القومي السوري
ترتبط بلورة سوريا مفهوم أمنها القومي بالمرحلة التي باتت تؤدي فيها دوراً إقليمياً رئيسياً في ظل حكم حزب البعث، وتحديداً في مرحلة حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وفي خطاب له عام 1980، اعتبر الأسد الأب أن الحفاظ على الوحدة الداخلية والتماسك الاجتماعي ضروري لضمان الأمن القومي لسوريا وحماية البلاد من عدم الاستقرار الداخلي.

وفي مقابلة له مع مجلة “التايم” عام 1988، أعلن الرئيس حافظ الأسد أن الأمن القومي السوري يرتبط بالسعي لتحقيق الحرية والاستقلال والتنمية المستقلة. وفي خطاب له في العام نفسه، أعلن أن الأمن القومي السوري يرتبط بتحقيق الأمن الداخلي والخارجي للشعب السوري. وبعد عامين، وفي خطاب آخر، أعلن أن الأمن القومي بالنسبة إلى سوريا هو الأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي يشكل عاملاً من عوامل التنمية والرفاهية.

ورأى حافظ الأسد في خطاب له في القمة العربية في تونس عام 1994 أن أمن سوريا القومي يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار العالم العربي الأوسع وبالالتزام بالقضية الفلسطينية. وفي خطاب له عام 1998، أشار إلى أن أهم عنصر في الأمن القومي السوري هو قدرة سوريا على الدفاع عن نفسها في وجه أي عدوان خارجي، وفي ردع أي تهديدات للسيادة السورية.

وقد درج المسؤولون السوريون بعد الرئيس حافظ الأسد على تطوير مفهومهم للأمن القومي السوري؛ ففي عام 2013، أعلن الرئيس بشار الأسد أن أهم مقومات الأمن القومي السوري هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

وقد شدّد وزير خارجيته وليد المعلم عام 2016 على أن أمن سوريا القومي يعتمد على الحفاظ على علاقات قوية مع حلفائها، بما في ذلك إيران وروسيا، وضمان التعاون الأمني ​​مع دول الجوار. أما نائب رئيس الوزراء السوري الأسبق علي حيدر، فقد أعلن أن أمن سوريا القومي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرتها على مقاومة العدوان الإمبريالي والدفاع عن مكانتها الصحيحة في العالم العربي.

أهمية الجولان للأمن القومي السوريّ
تتشكّل مرتفعات الجولان من منطقة جبلية يبلغ متوسط ​​ارتفاعها نحو 1000 متر فوق مستوى سطح البحر. أما أعلى نقطة في المنطقة، فهي جبل الشيخ التي يبلغ ارتفاعها 2814 متراً فوق مستوى سطح البحر. يقع الجبل على الجانب الجنوبي من مرتفعات الجولان، وهو أعلى نقطة في منطقة جنوب سوريا.

وتتميّز المنطقة بتضاريسها الصّخرية الوعرة مع العديد من المنحدرات الشديدة والوديان العميقة، وهي موطن للعديد من الجداول والأنهار، بما في ذلك نهر الأردن ونهر بانياس، وتحتوي أيضاً على العديد من المخاريط والحفر البركانية، ما يجعلها غنية بالتربة البركانية الصالحة للزراعة.

ويعدّ الجولان منطقة ذات أهمية استراتيجية تقع على مفترق طرق عدة رئيسية ونقاط وصول للنقل والتجارة، ما يجعلها تؤدي دوراً مهماً في التاريخ والجغرافيا السياسية لمنطقة الشام، لا سيما من حيث تأثيرها في تجارة وحركة البضائع والأشخاص والقوات العسكرية من المناطق النائية نحو شمال فلسطين.

وتقع مرتفعات الجولان عند تقاطع العديد من طرق التجارة الرئيسية، بما في ذلك “طريق ماريس” القديم (طريق البحر) الذي كان يربط مصر ببلاد ما بين النهرين ويمر عبر فلسطين ولبنان. ونظراً إلى موقعه الاستراتيجي، كان الجولان أيضاً بمنزلة مركز رئيسي للتجارة الإقليمية والتجارة، ما يسهّل حركة البضائع بين ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​وسوريا والأردن والعراق.

وقد شكّل موقع الجولان محطّ أنظار المفكرين والقادة العسكريين منذ فجر التاريخ، إذ إنّه يوفر رؤية قوية للتضاريس المحيطة، ويسمح بسهولة الوصول إلى المراكز السكانية الرئيسية ومراكز النقل. على هذا النّحو، كانت السّيطرة على الجولان هدفاً رئيسياً للقوات العسكرية في المنطقة لعدة قرون، بما في ذلك خلال الحروب العربية الإسرائيلية عامي 1967 و1973.

وتعِد سوريا مرتفعات الجولان جزءاً من أراضيها السيادية، ولها أهمية جيوسياسية كبيرة للأمن القومي للبلاد، فهي تهيمن على جزء كبير من جنوب سوريا وشمال فلسطين المحتلة، وتوفر تضاريسها المرتفعة ميزة قيمة لأي قوة عسكرية تسعى للسيطرة على المنطقة المحيطة.

وتسمح السيطرة السورية على مرتفعات الجولان بمراقبة التحركات العسكرية الصهيونية، وتعد هذه المرتفعات مصدراً مهماً للمياه لسوريا، إذ ينبع من المنطقة عدد من الأنهار المهمة، بما في ذلك نهر الأردن ونهر اليرموك وبحيرة طبريا.

كلّ هذا جعل القادة السوريين يشدّدون على أهمية استعادة الجولان المحتل؛ ففي عام 1974، أعلن الرئيس السوري حافظ الأسد أنّ الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا، ويمثّل أهمية استراتيجية وعسكرية بالنسبة إلى أمن الوطن. وقد سار الرئيس بشار الأسد على نهج أبيه بالتمسّك باستعادة الجولان، فقد أعلن عام 2018 أن على سوريا استعادة الجولان المحتل من “إسرائيل”، لأنه يمثل جزءاً لا يتجزأ من التراب السوري.

أما نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع، فقد أعلن أنَّ سوريا ترفض بشدة الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وهي مصمّمة على استعادته، لأنه يشكّل جزءاً من التراب السوري. وعام 2019، أعلن وزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم أنّ سوريا تتمسّك بحقها في استعادة الجولان المحتل، إذ إنَّه يمثل أهمية بالغة بالنسبة إلى الأمن القومي السوري والسلام في المنطقة بشكل عام.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى