الاخبار

سوريا: مافيا الإستيراد تقضي على الزراعة!

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

نثق بقدرات مراكز الحجر الصحي والنباتي في منافذ الحدود البرية والبحرية بالكشف عن المستوردات الغذائية الفاسدة أوغير الصالحة للإستهلاك البشري، مثلما كنا نثق بقدرات الحكومات المتعاقبة على مدى العقدين الماضيين بتحويل سورية من مصدر إلى مستورد للسلع الزراعية الأساسية!

لم نفاجأ مثلا بتاريخ 2/4/2023 برفض مركز الحجر الصحي النباتي في مرفأ اللاذقية إرسالية 100 طن عدس غير مجروش نتيجة لمخالفتها للتعليمات النافذة، لكننا فوجئنا بتحولنا من بلد مصدر إلى مستورد للعدس، تماما مثلما حدث في مادة القمح!

والحق يقال، ان المفاجآت بدأت تتوالي منذ تبني حكومة (2003ـ 2011) لنهج السوق الليبرالي المتوحش، وهو نهج همّش القطاعات الإنتاجية وخاصة الزراعية والصناعية منها لصالح القطاعات الريعية، وكان الشعار السائد على مدى العقدين الماضيين الأولوية للإستيراد!

وعندما تبدأ الحكومة باستيراد البصل، ولا تنفي إمكانية استيراد اللحوم المجمدة بأنواعها المختلفة بعدما تخلت عن دعم منتجيها فمن الطبيعي أن يدخل العدس قائمة السلع الأساسية المستوردة!

وقد مهدت وزارة الزراعة مبكرا لدخول مادتي العدس والحمص تدريجييا إلى قائمة المستوردات، فبشرتنا منذ مطلع آذار الماضي أن استيراد العدس مثل الحمص والقمج يسير بوتيرة جيدة!

والمبرر للتحول من بلد ينتج مايكفي المواطنين من العدس مع فائض للتصدير إلى بلد مستورد لكل السلع الزراعية ومستلزماتها جاهز دائما، وهو الجفاف، وكأنّ سورية كانت على مرّ العقود الماضية تعوم على بحر من المياه قبل أن يضربها الجفاف فجأة فيحولها إلى بلد صحراوي، تخلو من السدود والبحيرات وشبكات الري والآبار المعدة أساسا للزراعات المروية!

وإذا ما استمرت الحكومات الحالية والقادمة بنهج الحكومات السابقة، فلن تبقى سلعة زراعية تكفي السوريين لأكثر من شهر أو إثنين، مع دعوات على درجة عالية من الوثوقية: لاتقلقوا فعقود الإستيراد تكفي وتزيد حاجتنا من السلع الزراعية الأساسية وغير الأساسية!

نعم، بعد القمح بدأت سورية تستورد العدس والحمص والفول والبطاطا و..البصل، والحبل على الجرار!!!

وما يُقلقنا ليس اللجوء إلى الإستيراد لأسباب واقعية او مفتعلة، فما من دولة إلا وتستورد احتياجاتها حسب إمكاناتها ومواردها، وإنما تنامي قوة ونفوذ قلة من المستوردين باتت تشكل مافيا فعلية بدليل أن قائمة مستورداتها تزداد عاما بعد عام سواء بالكميات أو بإضافة مواد جديدة إليها مثل العدس والحمص والبصل، وقريبا اللحوم والفروج..الخ!

وما يُقلقنا أكثر فأكثر أن مافيا الإستيراد نجحت بتحويل سورية من بلد زراعي يُنتج معظم إحتياجاته من السلع الغذائية مع فائض للتصدير إلى بلد مستورد لمعظم السلع الزراعية ومستلزمات ماتبقى من مساحات لزراعتها بكميات هزيلة، تعمل المافيا على تقزيمها ورفع مستلزمات إنتاجها حتى القضاء عليها نهائيا!

وبوجود مافيا الإستيرد، لم نفاجأ بانتقال سورية من المنتج الأول عربيا إلى مستورد للعدس، فمن يستورد القمح بعدما كان إنتاجه ومخازينه تكفي لثلاث سنوات سيستورد جميع أنواع الحبوب وغيرها بما فيها بذار البطاطا التي تنتج ماكان يطلق عليها حتى وقت قريب الأكلة الشعبية اليومية!

وليس صحيحا على الإطلاق إن تراجع إنتاجنا من الحبوب والبقوليات سببه الحرب الإرهابية الكونية على سورية، فإنتاجنا من الحبوب تراجع خلال سنوات حكومة إقتصاد السوق الليبرالي المتوحش (2003ـ 2010) ،وأرقام المجموعات الإحصائية تثبت هذه الحقيقة المؤلمة، بل الجريمة الإقتصادية التي لم يُحاسب مرتكبوها حتى لآن!

لو استعرضنا واقع زراعة العدس خلال أعوام ماقبل الحرب على سورية لاكتشفنا التالي:
بلغت المساحة المزروعة بالعدس 150 ألف هكتار عام 2006 انخفضت تدريجيا إلى 149 ألف هكتار عام 2007 فإلى 135.7 عام 2008 فإلى 100 ألف طن عام 2009 لترتفع إلى 131 ألف طن عام 2010.

وانخفض إنتاج العدس من 180 ألف طن عام 2006 إلى 109 ألاف طن عام 2007 فإلى 34 ألف طن عام 2008 ليرتفع إلى 102 ألف طن عام 2009 لينخفض مجددا إلى 77.3 ألف طن عام 2010.

وكان هذا الإنخفاض طبيعيا مع انخفاض أنواع الحبوب والبقوليات الأخرى فالقمح خلال الفترة نفسها انخفض من5 ملايين طن تقريبا إلى 3 ملايين طن والشعير من 1.2 مليون طن إلى 680 ألف طن والذرة الصفراء من 159 ألف طن إلى 133 ألف طن والذرة البيضاء من 4.5 آلاف طن إلى 2.4 ألف طن.

ماذا نستنتج من هذه الأرقام؟

لاعلاقة للحرب ولا للمناخ بتراجع الإنتاج، وإنما بتهميش القطاعات الإنتاجية ودعم الإستهلاك عن طريق الإستيراد، ما أدى إلى بروز مافيا لها خلال سنوات الحرب تقوم بالضغط لاستيراد كل ماتحتاجه سورية من سلع غذائية كانت رائدة بإنتاجها وتصديرها، وإن لم يوضع حد لهذه المافيا التي يقوى نفوذها عاما بعد عام فستقضي على الزراعة نهائيا في سورية.

علي عبود ـ  غلوبال

اقرأ المزيد: سوريا ومكافحة الكبتاغون: هل تنجح آلية التنسيق العربية في تحييد القانون الأميركي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى