الاخبار

“الأخوة السبعة”… أشهر صانعي طبق “غزل البنات” الرمضاني في حلب

وكالة أوقات الشام الاخبارية / shaamtimes.com

على طاولة واسعة يتوسطها كومة من شعيرات الطحين البيضاء، يحاول سبعة رجال بكل قوة شدها دون توقف.

الرجال السبعة هم سبعة أخوة من عائلة “عداية” وصلتهم حرفة صناعة “غزل البنات” من أجدادهم، فأتقنوا فنها وأسرارها بل وأسرت عواطفهم وفتنوا بها.

وتتفرد مدينة حلب بمطبخ رمضاني يزخر بأشهى المأكولات وأطباق التحلية، هذا المطبخ، وإن تشابه في كثير من مكوناته مع بقية المدن السورية، إلا أن غزل البنات يعد طبقا رمضانيا فريدا يكاد لا يصنع إلا في تلك المدينة الناضحة بالفنون والحضارة.

يعمل الأخوة السبعة وكأنهم يد واحدة يتكاتفون حول مائدة تشتهر بين أبناء الكار باسم مائدة الكد، وكخلية نحل لا تعرف الهدوء، يعمل الأخوة بنشاط متناسق كأوركسترا، أشكالهم المغيرة من تراكم حبيبات الطحين المتناثرة، تشعرهم بالغبطة حين يتنتهي عملهم بخروج صواني الغزل المغرية للناظر.

يوسف عداية، الأخ الاكبر في المجموعة، يقول لوكالة “سبوتنيك”: ما نفعله يفرح الأطفال ومعهم كل العائلة، نقدم لهم طبقا لذيذا لا يتذوقونه إلا في شهر الصوم.

يروي يوسف، الملقب بـ أبو أحمد، حكاية هذا الطبق الفاخر: تقول بعض الروايات الشعبية بأنها تعود لأب ابتكر طبق الحلوى هذا خصيصا لبناته، مشيرا إلى أن الأب الذي كان يقطن قديما في حي الجديدة وسط حلب القديمة، قام بغزل خيوط الطحين على مسترشدا بجدائل شعرهن.

يسوق أبو أحمد رواية أخرى مغايرة تماما للأولى، وأكثر بساطة عن أصل تسمية “غزل البنات” : “الشعيرات البيضاء التي تخرج بعد عمليات الدعك المتواصلة سبب ثان لهذه التسمية كون الشعيرات الطويلة تشبه كثيرا شعر البنات”.

في خضم عملهم المتناسق، يوحي الأخوة السبعة وهو يجدلون ضفائر العجين كرجل واحد، وكأنهم قصّة هاربة من “ألف ليلة وليلة”، ولربما هنالك شيء من الحقيقة في ذلك، إذ أنهم جميعا يلقبون بـ “أبو أحمد” في ظاهرة يكاد يستحيل مصادفتها في عائلة.

تتطلب صناعة طبق “غزل البنات” مجهودا جماعيا دقيقا ومتزامنا يمكن لأي سوء في ضبط التوقيت أن يسوق مشكلة كبيرة في صناعته.

بعد إحضار مكونات السكر، وغليه بدرجات حرارة عالية لوقت طويل حتى يصبح كما يوصف بـ “العقيدة”، يرمى بعدها على طاولة رخامية تحاول أيدي الصناع المهرة تشكيلها.

يعتقد الأخ الأوسط، خالد، أن المرحلة اللاحقة وهي مرحلة (الكد)، هي الأصعب، ولكنها في الوقت ذاته، الأكثر متعة التي تجمع الأشقاء جميعا: تجمعنا كلنا على طاولة واحدة، نتسامر، نقص الحكايا فيما بيننا، لكننا نضع كل جهدنا لتحويل كتلة السكر المعقودة والمجبولة بالطحين إلى شعيرات بيضاء اللون.

يعمل الأخوة، صانعو غزل البنات، كل شهر رمضان وفي كل موسم، يقول أبو أحمد الأخ الأكبر في العائلة وربان فريق العمل، أنهم علموا أولادهم أسرار المصلحة وتعاهدوا جميعا بالحفاظ عليها.

يردف أبو أحمد: نعمل في شهر رمضان المبارك حفاظا على الإرث الشعبي كاملا بغزل البنات، كحرفة وهواية لبقاء هذا الطبق حاضرا، لكن لكل منا نحن الأخوة حرفته ومهنته الخاصة خارج شهر رمضان، بعضنا يعمل (حلونجي/ صانع حلويات شرقية) أو في المطاعم بمجال الطهي.

من ناحية المستهلكين، فقد خرج هذا الطبق من قاموس الفقراء، واقتصر حضوره على موائد ميسوري الحال جراء التبدلات العميقة في عادات المستهلكين على خلفية الأوضاع المعيشية الصعبة التي كرّسها الحصار الاقتصادي على سوريا.

يتفاوت سعر الكيلو غرام الواحد (حسب حشواته الداخلية)، بين 70 إلى 100 ألف ليرة وهذا يعني نحو ثلث راتب الموظف في القطاع العام.

والحال كذلك، فقد ذهب بعض الزبائن إلى خفض الكميات التي يشترونها، فيما عكف آخرون على شراء “غزل البنات” دون حشوة بسعر مخفض يمكن لهم أن يحشوها بالطريقة التي يرونها مناسبة تخفيفا من غلاء الطبق الفاخر.

يؤكد أبو أحمد: “رغم تراجع أعدادهم، إلا أن الكثير من محبّي “غزل البنات” يواظبون على شرائها في شهر رمضان، معيدا ارتفاع سعرها إلى غلاء مكوناتها “مثل الفستق الحلبي الذي ناهز سعر الكيلو الواحد 100 ألف ليرة، أو حتى المكونات التي تدخل في الحشوة كـ القيمق أوالملبن”.

المصدر: سبوتنيك

اقرأ المزيد: بعد العقوبات اﻷوكرانية… الحكومة السورية تستملك شركة (سولاريك S)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى